هل متابعة الدراما في رمضان دليل عافيتها؟!
تشرين-نضال بشارة:
ما إن يقترب شهر رمضان حتى يبدأ الترويج للمسلسلات التي ستعرض خلال أيامه على الفضائيات التي اشترت تلك الأعمال، سواء كانت سورية، أو مصرية، أو عربية مشتركة، أو خليجية،واستهلاكنا للمسلسلات يتشابه مع ما هو مُنتج عربياً أيضاً من الأغنية العربية، ونقصد استهلاكنا لها مرتبط بآلية الترويج، فكل مسلسل غير مستوف حقه من الترويج لا يحظى بمتابعة يستحقها، حتى لو كان يستوفي مقومات إبداعية فنياً وفكرياً، أفضل من بقية المسلسلات التي حظيت بالنسبة الأعلى في مجال الترويج لها. تماماً كما هي الأغنية التي تعرض مراراً وتكراراً، خصوصاً على القنوات الخاصة بالموسيقا، من دون أن نغفل إمكانية إعادة عرض المسلسل في اليوم التالي أو عرضه على أكثر من قناة في رمضان، وغير رمضان، في حين إن الأغنية التي تعرض عشرات المرات في اليوم الواحد، وعلى أكثر من قناة تلفزيونية وإذاعية، هو ما يجعل المشاهد يتقبلها ويدندنها، ويتوهم أنها عمل فني، مهما كانت درجة الإبداع متدنية فيها. وهذه سمة معظم الأغاني السائدة في عصرنا. ولا يكاد يفترق المسلسل عن الأغنية السائدة، ولذلك أيضاً ليس جديداً قولنا إن الترويج وحده غير كاف، فالمسألة مرتبطة بالقناة التي تعرضه، وبقدرات هذه القناة على جذب المشاهدين، من خلال ما تعرضه بشكل يومي، نوعية برامج، وبزمن عرض المسلسل في رمضان. إذ إن ما يتوافر لهذا المسلسل أو ذاك، يدفع معظم مشاهدي الفضائية إلى الوقوع في وهم أن المسلسل إبداع خالص، وكذلك كتّاب ومخرجو وممثلو هذه المسلسلات في وهم أن أعمالهم هي الأكثر جماهيرية، وأن المشاهدين تابعوها لأنها لامست همومهم وعبّرت عن آمالهم. كما يتذرع كاتب أو أكثر بأن المسلسلات التي نقصدها بكلامنا هي أكثر المسلسلات التي يُكتب عنها سواء كانت الكتابات ضدها أو معها، وهذا دليل آخر على جماهيريتها، مع أنهم يغفلون عن أن أغلب الذين يكتبون عن المسلسلات، يخضعون أيضاً للشروط ذاتها التي تمليها هذه القناة أو تلك، مع أنه من المؤكد أن معظمهم لم تذهب عيونهم للمشاهدة بدوافع أخرى.
وقد يقول بعض المساهمين في « صناعة» هذا المسلسل أو ذاك، ممن يأخذ أكثر مما يستحق من الترويج وتالياً يحظى بمتابعة وافرة، إن المتابعة دليل على إتقان العمل في كل مقوماته، ونرد على مثل هذا الكلام بأن الفضائيات ذاتها التي عرضت المسلسلات كنا نتمنى لو تجرؤ على عقد ندوات يشارك فيها مبدعون مشهود لهم في صناعة الدراما كتابة وإخراجاً، تتناول تلك المسلسلات التي يتوهم أصحابها أنها عالية الجودة، وتقدم تلك الندوات تحليلات فكرية وفنية لتلك الأعمال، لعرفنا أن قيمتها الصحيحة جماهيرياً فقط لا إبداعياً، وأنه بمثل هذه الندوات سنخلق وعياً جمالياً ومعرفياً عند المشاهدين، ما يمكنهم من الوصول إلى أحكام أكثر دقة وعمقاً.
وليس أخيراً، لكي نكون دقيقين نزعم أن غياب المسلسلات ذات المقومات الإبداعية العميقة والمتقنة في أغلب المواسم الفائتة، والتي يفترض أن يؤكد فيها صانعوها أنها دفاع الإنسان عن أحلامه في الحق والخير والجمال، هي ليست الغائبة عن الإنتاج بل المُغيبة، بقصد تعويم مسلسلات توهم المشاهدين بأن ما يعرض هو ملامسة لأوجاعهم وهمومهم ومشكلاتهم، لكنها في الحقيقة فقاعات صابون ملونة وجذّابة لن يكون لها الأثر المرتجى من أي عمل إبداعي.