المناطق الجبلية خارج “عناية وزارة الزراعة”.. حيازات مشتتة وتخطيط غائب والسكان يخسرون مصادر أرزاقهم التقليدية
تشرين – رفاه نيوف:
يعاني المزارع في المناطق الجبلية بطرطوس من صغر الحيازات الزراعية وتشتّتها، التي انعكست سلباً على واقع الإنتاج الزراعي، من جهة عدم قدرة المزارع على التوسع بزراعة محددة وتأمين مستلزماتها، وبالتالي بقي المزارع محافظاً على الزراعات التقليدية التي ورثها عن أجداده وآبائه، وهي القمح والشعير والتبغ، وبعض الزراعات التكميلية كالبصل والثوم، ويتوقف نجاحها على الظروف الجوية باعتبارها زراعة بعلية. هذه الأسباب مجتمعة وقفت عائقاً في وجه تقدّم الزراعة في تلك المناطق وتحقيق مردود كافٍ للأسر الزراعية.
فما هي الحلول المقترحة والإجراءات المتخذة للاستفادة من كل شبر من الأرض، وخاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة؟
غياب التخطيط
ما وصلنا إليه اليوم من تخبّط في واقع الإنتاج الزراعي بعيد كل البعد عن التخطيط الصحيح، وأزمة البصل الأخيرة خير دليل على غياب التخطيط السليم، رغم أن سورية بشكل عام و محافظة طرطوس بشكل خاص، والتي تعد السلة الغذائية لسورية، تمتلك كل المقومات للوصول إلى إنتاج زراعي متكامل يغطي الاستهلاك المحلي وصولاً لتصدير الفائض هذا ما أكده المزارع أحمد علي من منطقة القدموس لـ ( تشرين) قائلاً : لقد مُني مزارعو منطقة القدموس في العام الماضي بخسائر كبيرة نتيجة الأحوال الجوية، فالكثير منهم لم يحصد القمح بل تُرك في الأرض علفاً للحيوانات، و كذلك عدم نجاح موسم التبغ، وردّ علي هذا إلى غياب التخطيط والإشراف الصحيح.
خبيرة زراعية : مدارس المزارعين والمزارعات الحقلية هي الحل
ويقول المزارع محمد: لم أقدم العام الماضي على زراعة القمح والتبغ بعد خسائر متتالية مُنيت بها، وتوجهت لزراعة الثوم الذي سجّل سعر الكيلو منه في الموسم قبل الفائت ارتفاعاً كبيراً، والكثير من المزارعين زرعوا الثوم بمنطقة القدموس، طمعاً بأسعار مجزية، إلا أن سوء التخطيط وتوجه المزارع لزراعة نفس الصنف، زاد الإنتاج وبالتالي انخفضت الأسعار ليقع المزارع بخسائر من جديد، وعدم حصوله على مردود جيد.
الموروث السائد
تحدثت الخبيرة الزراعية، والمدربة لسنوات طويلة في مجال تنمية المرأة الريفية ومدارس المزارعين بمنطقة القدموس، المهندسة كوكب خضور عن الموروث الزراعي الذي ما زال سائداً حتى اليوم، والذي أدى إلى تفتت الأراضي الزراعية، والتي لا تتجاوز ٢٠٠- ٣٠٠ متر ، كحصة لمزارع واحد بجهة معينة من الأرض. هذه الحيازات الصغيرة سبّبت الكثير من المشكلات للمزارع، بدءاً من عدم إمكانية تأمين مستلزمات الإنتاج من البذار وتحضير الأرض إلى إنتاج السلع ، وصولاً لأسواق التصريف.
مُني مزارعو منطقة القدموس في العام الماضي بخسائر كبيرة نتيجة الأحوال الجوية في القمح وبعده التبغ ثم الثوم..
المدارس الزراعية الحقلية
وترى خضور أن الحلول بسيطة ومتاحة، وهي إعادة تفعيل المدارس الزراعية الحقلية للمزارعين والمزارعات، التي بدأت بها وزارة الزراعة منذ أكثر من عشر سنوات، ومن ثم توقفت بسبب الحرب، الهدف منها اجتماع عدد من المزارعين ٥ _ ١٥ مزارعاً يملكون حيازات زراعية صغيرة متجاورة، تزرع الأرض بنوع واحد بشكل مدروس ومخطط، مثل زراعات محمية أو نباتات عطرية وطبية أو أي نبات يتأقلم مع المنطقة، وبالتالي حل مشكلة تأمين البذار والسماد والحراثة والريّات التكميلية، واليد العاملة من الأسر التي تملك هذه الحيازات وصولاً إلى إحداث معامل لتصنيع الإنتاج الزراعي في مناطق الإنتاج وتقطير النباتات الطبية والعطرية والتي تلقى رواجاً محلياً وعالمياً.
توجد خطة إنتاجية زراعية لجميع الأراضي الجبلية الموجودة في طرطوس، لزراعة كل الأراضي القابلة للزراعة
خطة إنتاجية
تم وضع خطة إنتاجية زراعية لجميع الأراضي الجبلية الموجودة بالمحافظة، كما بيّن المهندس حسن يوسف رئيس دائرة الأراضي في مديرية الزراعة بطرطوس، لزراعة كل الأراضي القابلة للزراعة، وفق الخطة التي يتم وضعها في كل عام من قبل الوحدات الإرشادية بالتنسيق مع الجمعيات الفلاحية ورغبة المزارعين في نوع الزراعة.
تسهيلات للاستثمار
وقدّمت مديرية الزراعة في طرطوس تسهيلات لاستصلاح جميع الأراضي الزراعية ذات الإنتاجية الضعيفة أو طبيعتها الصخرية، لتحسين إنتاجيتها ومواصفاتها. كالاستثمار الزراعي على الأراضي غير القابلة للزراعة وعلى التكشفات الصخرية التي لا يمكن استثمارها وفق شروط الاستثمار الخاصة بنوع الاستثمار التي تحدد وفق الأنظمة والقوانين.
“الزراعة” قدمت العديد من التسهيلات لمزارعي الإنتاج الحيواني
الإنتاج الحيواني
وذكر رئيس دائرة الإنتاج الحيواني في زراعة طرطوس، المهندس محمد حسن، أن الوزارة تقدم العديد من التسهيلات لمزارعي الإنتاج الحيواني، منها تقديم قروض لإنشاء مزارع للإنتاج الحيواني، بفوائد بسيطة، إضافة إلى تأمين المواد الأولية المستخدمة في عملية الإنتاج وبأسعار مناسبة، وتأمين أسواق لتصريف الإنتاج من المزارع من خلال إقامة معامل تصنيع المنتجات وتسهيل عملية تصديرها، وإقامة مجمعات لتربية الدواجن أو المواشي، وفق القوانين والأنظمة التي تنظم عملية الترخيص لهذه المنشآت، ولا سيما القرار ٩٠ للعام ٢٠١٩ والذي يتضمن التعليمات التنفيذية لقانون حماية الثروة الحيوانية.
أخيراً
عندما يوجد التخطيط السليم والإرادة الصادقة، تصبح الحيازات الصغيرة، برغم تشتتها، مصدراً كبيراً لإنتاج زراعي متنوع، يكفي الحاجة المحلية ويزيد، لقد آن الأوان وأكثر من أي وقت مضى لوضع الخطط الزراعية والتكاتف والتكافل بين المزارعين في القرى الجبلية، للقيام بمشاريع زراعية وتصنيع الإنتاج الزراعي، تحت إشراف حكومي أو منظمات أو مهندسين زراعيين اختصاصيين للنهوض بالاقتصاد الزراعي، وتأمين حياة كريمة للأسر الزراعية الريفية وصولاً للاكتفاء الذاتي وتصدير الفائض، فأن تصل متأخراً خير من ألا تصل أبداً.