حضرة المتهم «المعلّم» في عيده!
تشرين-نضال بشارة:
ونحن نحتفل بالعيد السنوي لمن يمارس مهنة التعليم من الضروري أن ننبّه إلى أن الدراما التلفزيونية السورية لم تعط هذه المهنة حقها في المعالجة، فلم يستطع حتى الآن أي عمل سوري مقاربتها، ومقاربة دورها في بناء المجتمع وتصوير صعاب الحياة التي يواجهها كل من يمارسها من الذكور والإناث، كما أن ما تواجهه المعلّمة يحمل خصوصيته عما يواجهه المعلّم خلال ممارسته مهنة التعليم.. فمن حقنا كمشاهدين أن نتساءل: لماذا غابت شخصية المعلّم أو المعلّمة كشخصية أساس للعمل الدرامي، مع أنها الشخصية الأساس في بناء المجتمع، وهي شخصية غنية بكل خيوطها الدرامية، وسواء كانت الشخصية تدرّس في المدينة، أو تدرّس في الريف، وهو ما سيمنح الشخصية أبعاداً أخرى وغنىً درامياً متنوعا.. نقول ذلك رغم عدم نسياننا أن نشير لحضور هذه المهنة إلى حدٍ ما كأحد الخيوط الدرامية في مسلسل « الدغري» المأخوذ عن رواية « زوبك» للكاتب التركي عزيز نيسين التي اقتبسها الراحل د. رفيق الصبان، أو حضورها في أعمال أخرى لكن بشكل ثانوي أيضاً.
حارس الأخلاق
فمن خلال مهنة التعليم يمكن تقديم شخصية المعلّم كحاملٍ فكري ومعرفي وتربوي، وكحارسٍ لقيم المجتمع وأخلاقه، والأهم هو أنه مورّث لها عبر الأجيال التي يدرّسها. ولعلّ أهميته القصوى.. تأتي أيضاً من كونه ممثلاً للطبقة المتوسطة التي تآكلت في المجتمع لظروف عدة يمكن لأي مسلسل مقاربة بعضٍ من أسباب ذلك، التي منها حسبما شاهدنا في المسلسل المصري « حضرة المتهم أبي» للكاتب محمد جلال عبد القوي وإخراج رباب حسين، وكانت قد عرضته فضائيات عربية العام 2007 ، متجسدة في هيمنة طبقة الذين أَثْرَوا بشكل غير شرعي من بعض المسؤولين في مواقع السلطة ومن تعاون معهم؛ فشاهدنا ما تعرّض له (الأستاذ عبد الحميد دراز) الذي جسّده النجم الراحل نور الشريف، وأسرته من ضغوطات، وما أصاب أفراد المجتمع من تحولات سلوكية بسبب سطوة الفاسدين.. هؤلاء الذين نهبوا ثروات المجتمع وأفقروا الناس الذين اضطر بعضهم للهجرة من أجل العمل وتحسين المستوى المعيشي فتفككت أسرهم، كما شاهدنا أن فساد الأبناء من فساد الآباء.
ديكتاتورية القانون
وكان الهدف الأعلى للمسلسل قد تمت الإشارة إليه أكثر من مرة من خلال رغبة (الأستاذ) في أن يأخذ القانون مجراه، لكن الأقوى بنفوذه وماله هو من كان يأخذ القانون إلى الحيّز الذي يخدم مصالحه على حساب إقامة العدل التي هي المهمة الأساسية له. وهذا ما يذكر برأي كثير من الباحثين الذين يرون أن الدولة الحديثة لكي تخدم مصالح كل الذين تعاقدوا على العيش المشترك تحت مظلة دستورها ومؤسساتها لا تتجسّد إلاّ عندما يكون القانون (ديكتاتورياً) تجاه الجميع، والجميع تحت سطوته مهما علت مرتبة مسؤوليتهم، فالعدل يقام هكذا. ولعلّ أجمل ما في المسلسل أننا كمشاهدين نستطيع أن نسحبه على مجتمعات الأقطار العربية جميعها، فما حصل للطبقة المتوسطة في مصر حصل لها في معظم الأقطار العربية تقريباً.
ورغم ذلك نستغرب استمرار غياب مهنة التعليم عن الدراما التلفزيونية التي لم تقاربها إلاّ كشخصيات ثانوية وغير فاعلة في الأحداث أو مؤثرة في تحريكها وتناميها، ولعل ذلك يعود إلى أن أغلب الذين كتبوا الدراما التلفزيونية من خارج مهنة التعليم مع أننا لا نعدم وجود كاتب أو أكثر مارس المهنة لكنه لسبب أو آخر غفل أو نأى بنفسه عن مقاربة هذه المهنة لما قد تواجهه من عوائق.