الظروف الراهنة عرقلت إجراء مسح لمعرفة حصّة كل فرد من السلع الغذائية… السياسات الزراعية أمام تحدي الأمن الغذائي
تشرين – ميليا اسبر:
تؤثر العديد من السياسات الزراعيّة في نوعيّة وكميّة الإنتاج الزراعي، عمليّة اتخاذ القرارات لدى المزارعين، حيث يشكّل إنتاجهم الإجمالي العرض الوطني من المنتجات الزراعيّة التي تساهم في تحقيق الأمن الغذائي، من خلال سياسات التخطيط والتسعير والسياسات المتعلقة بتأمين مستلزمات الإنتاج وتسويق المحاصيل الاستراتيجية، وخاصة منها المرتبط بالأمن الغذائي، كمحصولي القمح والشوندر السكري، حسب ما بين مدير السياسات الزراعيّة في وزارة الزراعة المهندس رائد حمزة في حديث خاص لـ«تشرين».
تحقيق الاكتفاء الذاتي
وأشار حمزة إلى أنّ هذه السياسات وما يرتبط بها من إجراءات ساهمت في تحقيق الاكتفاء الذاتي لحزمة كبيرة من السلع الزراعية، وقد لعبت سياسات الدعم والخدمات المساعدة، كالنتائج البحثية والخدمات البيطرية والإرشادية، وأيضاً التمويل الزراعي، دوراً في زيادة معدّلات الإنتاج بشكل كبير، لافتاً إلى أنّه بشكل عام تركّز السياسات الزراعية على تحقيق مجموعة من الأهداف، أهمها: تحقيق مساهمة فعّالة للقطاع الزراعي في إجمالي الناتج المحلي، وفي الاستقرار الاقتصادي، من خلال زيادة الإنتاج وتوفير المزيد من فرص العمل المنتج، إضافة إلى زيادة معدلات الاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية الرئيسة، وتضييق الفجوة الغذائية، وتحسين الميزان السلعي الغذائي بتنمية الصادرات وإقلال الواردات، وأيضاً تحقيق التكامل بين القطاع الزراعي والقطاعات الاقتصادية الأخرى.
مشاركة القطاع الخاص
وبيّن حمزة أنّه خلال العقود الماضية شهدت السياسات الزراعية تحولاً تدريجياً نحو زيادة مشاركة القطاع الخاص كشريك أساسي في عمليّة التنميّة الاقتصاديّة في حوكمة القطاع الزراعي، ولاسيما فيما يتعلق بالتسويق وتأمين مستلزمات الإنتاج والتمويل، حيث برز دوره وتوسعت دائرة مشاركته بشكل أكبر خلال الآونة الأخيرة بعد تداعيات الحرب الإرهابيّة والإجراءات القسريّة، التي قيّدت دور المؤسسات الحكوميّة في تأمين مستلزمات الإنتاج من الأسواق الخارجية، كالأسمدة والمبيدات والطاقة وتحويل الأموال لتغطية فواتير الاستيراد، هذا الأمر أدى إلى ارتفاع كبير في تكاليف الإنتاج وأسعار السلع الغذائية نتيجة التضخم، ليس بسبب سعر الصرف فقط بل أيضاً لأسباب أخرى، منها التبدلات السياسيّة والاقتصاديّة على المستوى العالمي كالأزمة الروسية – الأوكرانية، وجائحة كوفيد 19 وانعكاساتها على الأسعار العالمية وحجم الإمداد، منوهاً إلى أنّ هذه العوامل مجتمعة أثّرت في مستويات الأمن الغذائي على المستوى الوطني، وأنّ السياسات الزراعية ركّزت خلال العقود الماضية على تقديم الدعم المباشر وغير المباشر للقطاع الزراعي، وكذلك البحوث الزراعية، وحافظت أيضاً تلك السياسات على دور الدولة في توزيع الموارد مع إفساح المجال للفعاليات الخاصة في الإنتاج والتسويق، حيث أدت السياسات المتبعة إلى نتائج إيجابية ساهمت في تطوير القطاع الزراعي وتحقيق الاكتفاء الذاتي، والانتقال من الندرة إلى الوفرة وزيادة مساهمة القطاع في إجمالي الناتج المحلي، كما ساهمت في التنمية الريفية من خلال مشروعات استصلاح الأراضي وتطوير البنى التحتية كالطرق الزراعية و خدمات الإرشادية والبيطرية.
تخطيط لمحاصيل استراتيجية
ولفت حمزة إلى أنّ الاقتصاد الزراعي اعتمد منذ السبعينيات نظام التخطيط المركزي، وبدأت الحكومة تتجه نحو التخطيط التأشيري وبشكل تدريجي منذ الخطة الخمسية السادسة (1986_1990) وانعكس ذلك على الخطط السنويّة التي تميّزت باعتماد النهج التشاركي والتخطيط اللامركزي، وضمن هذا التوجه يتم التخطيط على مستوى المحاصيل الاستراتيجية، التي تتضمن القمح والقطن والشوندر السكري والتبغ، إضافة إلى بعض المحاصيل الرئيسة “الشعير و البطاطا و البندورة”، ومؤخراً الذرة الصفراء، أما بقية المحاصيل فيتم التخطيط لها على مستوى المجموعات، التي تتضمن مجموعة الخضار الشتوية والصيفية، المحاصيل الزيتية، وأيضاً البقولية الغذائية، وكذلك المحاصيل العلفية.
مدير السياسات الزراعيّة: نسعى إلى أن يكون القطاع الزراعي قطاعاً تنافسياً تنموياً
وذكر أنه خلال الآونة الأخيرة، ونتيجة تراجع القوة الشرائية للمواطنين وزيادة تكاليف الإنتاج، طرأ تغير على حصة الفرد من هذه السلع، ونظراً لغياب مسوحات دقيقة لتحديد عدد السكان يصعب تحديد التغير الحاصل في حصة الفرد التي تحتاج إلى إعادة مسح دخل ونفقات الأسرة، وأيضاً تنفيذ التعداد الشامل لعدد السكان الذي يصعب تنفيذه في الوقت الراهن نتيجة الظروف الحالية التي تمر بها البلاد.
تحقيق تنمية مستدامة
أمّا عن دور السياسات الزراعية في تحقيق التنمية المستدامة في الاقتصاد فيقول حمزة: إنّ التنمية المستدامة لا تتعلق بقطاع بحد ذاته، حيث تساهم التنمية الزراعية في التنمية الشاملة من خلال تطوير وتنمية القطاع الزراعي، لكونه قطاعاً له ارتباطات ببقية القطاعات فيما يتعلق بمدخلات الإنتاج ومخرجاته، لافتاً إلى أن القطاع الزراعي يعدّ من القطاعات الاقتصادية المهمة من حيث تأمين فرص العمل التي يحققها، وتأمين المواد الأولية للقطاع الصناعي ومساهمته الفعالة في التجارة الخارجية التي بلغت بالمتوسط 50% من إجمالي الصادرات، حيث وصلت نسبة التشغيل إلى ما بين 25-30% من إجمالي عدد المشتغلين، وتراجعت هذه النسبة خلال سنوات الحرب الإرهابية نتيجة الهجرة الداخلية والخارجية، علماً أنّ القطاع الزراعي يساهم في تحقيق الأمن الغذائي كأحد أركان التنمية المستدامة، ويعدّ الأمن الغذائي أحد الأهداف الاستراتيجية للقطاع الزراعي.
تحتاج إلى تقييم
وبيّن حمزة أنّ السياسات الزراعية تحتاج بشكل عام إلى مراجعة دورية، وأيضاً تقييمها وتحديد مدى ملاءمتها للمتغيرات الحاصلة على المستويين المحلي والعالمي من أجل مواكبة التطورات الحاصلة، فالسياسات يجب أن تتمتع بالديناميكية من حيث الأهداف الاستراتيجية الأساسية للسياسات الزراعية، حيث لا تزال قائمة كتحقيق الأمن الغذائي وزيادة مساهمة الزراعي في الاقتصاد الوطني، مؤكداً أن السياسات الزراعية تسعى إلى أن يكون القطاع الزراعي قطاعاً تنافسياً تنموياً، يساهم بشكل فعلي في تحقيق التنمية الشاملة، وخاصة في المناطق الريفية، وإيجاد توازن بين الريف والحضر يحدّ من هجرة سكان الريف.
حظر التكنولوجيا عن سورية ساهم في عدم تطوير منهجيات التحليل وتقييد استخدام البرمجيات المهمة في عمليات التحليل والنمذجة
صعوبات
أمّا عن الصعوبات والمعوقات الأساسية التي تقف عائقاً أمام تنفيذ خطة المديرية، فقد ذكر حمزة أن مديرية السياسات الزراعية تعاني كغيرها من المؤسسات من نقص في عدد الكوادر الفنية المؤهلة والمدربة على تحليل السياسات، نتيجة ما فرضته الحرب، وكذلك حرمان الكوادر الجديدة من تلقّي التدريب المتخصص والنوعي، إضافة إلى تعليق الكثير من علاقات التعاون مع المراكز البحثية والجامعات العالمية التي كان المركز قد بناها خلال فترة ما قبل الحرب، كما ساهمت عملية حظر التكنولوجيا عن سورية في عدم تطوير منهجيات التحليل وتقييد استخدام البرمجيات المهمة في عمليات التحليل والنمذجة وغيرها، إضافة إلى نقص البيانات، ولاسيما تلك التي تصدر عن المسوحات الشاملة التي يصعب تنفيذها حالياً.
وختم حمزة بأنّ رفع مستوى الاقتصاد الزراعي هو عمل تشاركي بين جميع الجهات، سواء على مستوى وزارة الزراعة أم على مستوى بقية الجهات، فهو مبنيّ على التعاون وتبادل الخبرات والمعرفة بين كل الجهات، وهذا ما نسعى إليه من خلال بناء جسور تعاون مع الآخرين، ولا يمكن لأحد بمفرده رفع مستوى الاقتصاد الزراعي أو الاقتصاد الكلي.