عالمٌ لَك وحدك

غَادرْ بيتك؛ هذه أقسى عبارة يُمكن أن يسمعها أحدٌ في حياته، ولو قيلت مرةً سيبقى صداها يتردد في أُذنيه ما بقي حيّاً، فكيف بمن عايشها فعلاً؟، لَملَمَ ما أمكن له، وخَرجَ كمن استبدل رجليه وقلبه بعجلتي دراجة ومُحرّكٍ معدني، يعي تماماً ما ترك خلفه ولن يعي أبداً كيف تركه؟.
البيت؛ بابٌ ينفتح على العالم، عالمٌ لك وحدك، مكانٌ تأوي إليه زاهداً بما سواه، ولهذا ربما كنا نرسم في صِغرنا بيوتاً بغرفةٍ واحدة، تعلوها شمسٌ في الزاوية اليمنى وتجاورها العائلة في الزاوية المقابلة، كُلهم بالحجم نفسه والمكانة نفسها، شمسٌ وبيتٌ وعائلةٌ، ثم يأتي أحدهم ويُعطيك خيمة!.
منذ زمن ليس ببعيد، طُلِب منا البقاء في بيوتنا، لأن وباءً مسعوراً يفتك بأولئك الذين لا يروق لهم اعتزال الآخرين، ولأن بيوتاً كثيرة تنطبق عليها توصيفات من قِبَل «علبة كبريت»، «مخزن»، «فندق»،«سجن»، «تكية»، «عصفورية»، كان البقاء فيها اختباراً صعباً، فشل كثيرون في تجاوزه، حتى كان لا بدّ من إلقاء القبض على من ضاقت به جدران بيته فَخَرق حظر التجوال أيام كورونا، وربما تذكرون الشرطي يونس في اليوم الأول للحظر الجزئي قبل أعوام.
في ذلك الزمن قيل إن الأبنية الطابقية خالية من فنون العمارة، وفي حقيقتها ليست إلّا عُلباً مُغلقة، يزرب بعضها على بعض، لا منافذ للطوارئ، ولا وسائل للوقاية من الحرائق، لا فتحات تهوية ولا أجهزة إنذار، وفي جوارها تختفي المساحات الخضراء والملاعب والشوارع العريضة، على حساب مزيدٍ من الإسمنت وكتل الباطون، ثم يُريدون منا أن نُمضي حياتنا فيها؟.
اليوم، يبدو هذا كلاماً لا يُحتمل، حتى لو كان البيت قبراً، لا أحد يرغب في الخروج منه، لا أحد يرغب في ترك ملجئه الآمن، ذكرياته وصور أبنائه والزوايا التي شهدت دموعه وضحكاته، ربما تغيّرت المعادلة، لم تعد البيوت مبعث أمنٍ أيام الزلازل، لكن أحداً لم يَلمُ بيته، حتى أولئك الذين أمضوا أياماً تحت أنقاضها.
تعود امرأةٌ إلى ركام بيتها يومياً، تجلس على أكوام الحجارة وتبكي، عثرت مصادفةً على «مخدة» تعرفها جيداً، حملتها ومضت، لعلّ ما تبقى يكون بدايةً لبيتٍ جديد.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
تعزيز ثقافة الشكوى وإلغاء عقوبة السجن ورفع الغرامات المالية.. أبرز مداخلات الجلسة الثانية من جلسات الحوار حول تعديل قانون حماية المستهلك في حماة شكلت لجنة لاقتراح إطار تمويلي مناسب... ورشة تمويل المشروعات متناهية الصغر ‏والصغيرة تصدر توصياتها السفير آلا: سورية تؤكد دعمها للعراق الشقيق ورفضها مزاعم كيان الاحتلال الإسرائيلي لشنّ عدوان عليه سورية تؤكد أن النهج العدائي للولايات المتحدة الأمريكية سيأخذ العالم إلى خطر اندلاع حرب نووية يدفع ثمنها الجميع مناقشة تعديل قانون الشركات في الجلسة الحوارية الثانية في حمص إغلاق الموانئ التجارية والصيد بوجه ‏الملاحة البحرية.. بسبب سوء الأحوال الجوية صباغ يلتقي بيدرسون والمباحثات تتناول الأوضاع في المنطقة والتسهيلات المقدمة للوافدين من لبنان توصيات بتبسيط إجراءات تأسيس الشركات وتفعيل نافذة الاستثمار في الحوار التمويني بدرعا خلال اليوم الثانى من ورشة العمل.. سياسة الحكومة تجاه المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والرؤية المستقبلية مؤتمر "كوب 29" يعكس عدم التوازن في الأولويات العالمية.. 300 مليار دولار.. تعهدات بمواجهة تغير المناخ تقل عن مشتريات مستحضرات التجميل