له خصوصية كبيرة عند السوريين الاحتفال بعيد البربارة أو البر السوري مستمر رغم الظروف الاقتصادية 

تشرين- باسمة إسماعيل:

عيد البربارة له جذور تاريخية تناقلتها الأجيال، وهو عند أهالي الساحل يوم البرّ السوري أي يوم القمح، وعند المسيحيين عيد القديسة بربارة.

عيد البربارة مناسبة يشترك فيها السوريون بغض النظر عن مكونهم الديني واعتباراتهم، سواء أكان عيد القمح أو عيد القديسة بربارة، وما زالوا يحتفلون فيه كل عام كل حسب تقاليده الخاصة، إذ يخرج الأطفال والشباب المسيحيون مساء بأزياء تنكرية، ويطوفون على بيوت الجيران والأقارب والأصدقاء ويعايدونهم، فيتم إعطاؤهم بعض الحلويات بما يشبه العيدية، وترافق احتفالات البربارة أغان وأناشيد دينية في الكنيسة، وفي يوم العيد يتم سلق القمح والذرة اللذين يتم تقديمهما مع السكر والرمان، أو إضافات تحلية أخرى وتُعرف باسم “البربارة” وهي طبق تقليدي لهذا اليوم يقدم كنوع من ااتحلية وليس طعاما.

القمحية أو الهريسة

أما أهالي قرى الساحل فيقومون بطهي القمحية أو الهريسة المكونة من حنطة مقشورة وديك رومي أو دجاج بلدي وتقلى بالسمن البلدي.

وبين عدد من أهالي ريف جبلة ل”تشرين” أن عيد البربارة ارتبط بموسم الأمطار والبرد، لكونه يأتي في شهر كانون الأول، المعروف بأجوائه الباردة وكثرة أمطاره، ومن الأمثال الشعبية التي قالها أجدادنا في مختلف مناطق بلاد الشام عن عيد البربارة : “بعيد البربارة بتطلع الميّ من وكر الفارة” لغزارة المطر في هذا الوقت من العام، و””في عيد البربارة بياخد النهار من الليل أخباره”، وهنا يقصدون أخبار السيدة بربارة، وكانوا يقولون ” بين الميليدة والبربارة عبي قمحك بالكوارة ” أي لا فائدة من زراعة القمح بين عيدي الميلاد والبربارة، لأنها تكون قد تأخرت كثيراً ولن تعطي موسماً جيداً آخر العام، وغيرها من الأمثال.

عيد سوري قديم

وأشار البعض إلى أن أغلب الناس يعتقدون أن عيد البربارة عيد ديني يخص المسيحيين من خلال قصة القديسة بربارة و تنكرها بين سنابل القمح، هاربة بإيمانها قبل أن يتمكن منها أبوها ويقتلها، والحقيقة أنه عيد سوري قديم يعود إلى ما قبل المسيحية بألفي عام،  ويعد جزءاً من (أسطورة الخصب عند السوريين ) تقديساً و تبريكاً للقمح ( الدّجن ) الذي يحمل اسم أحد آلهة الخصوبة، وما زالت جملة (ما دقت الدّجن ) تدل في قرانا الساحلية على عدم تذوّق الخبز أو طعام فيه قمح،  وهذا التوقيت هو بداية موسم الأمطار، الذي يحيي وينبت القمح المقدس، وليس (موسم سنابل القمح التي تختفي فيها القديسة الهاربة ) فالسنابل في شهر نيسان.

وحسب الأهالي، أهم طقوس هذا العيد أن معظم العائلات التي تحتفل بهذا العيد تقوم بصنع الحلويات وقليها بالزيت الغالي، وتطبخ الهريسة أو القمحية، فيقوم المحتفلون بإشعال كومة من الحطب ليتم طهي القمحية، ومازالت قرانا الجبلية الساحلية تحتفي بهذه المناسبة، فتطبخ السليقة (القمحية)، إضافة للقطايف و السيّالات و قوامها الأساسي هو القمح.

واستدرك الأهالي: لم يعد عيد البربارة طقساً تحتفي به جميع القرى أو جميع العائلات بسبب الوضع الاقتصادي الصعب الراهن،  حتى إنه كانت له دلالة اجتماعية ب”لمتهم” مع بعض ومناسبة لمصالحة المتخاصمين، وتوزيع القمحية فيما بينهم، خاصة لمن لا يستطيعون طبخها، وكانت تطبخ بالدست (وعاء كبير) ، لكن الآن اقتصرت على “طنجرة” متوسطة لا تكفي إلا أسرة البيت.

خصوصية كبيرة

يرى الباحث بالتراث والموروث الشعبي نبيل عجمية أن طقوس البربارة أو عيد البر السوري، له خصوصية كبيرة عند السوريين، فكانون الأول له طعم خاص وحلاوة وحنين وذاكرة، اعتاد أفراد العائلة والأقارب والجيران والأصدقاء قديماً التحلق حول مائدة النار (الكانون) طلباً للدفء، وسلق الحمص  والشوندر  وشوي البلوط، وتناول الزبيب والبطم،  فهي مواد تعطي الدفء ويستمر السهر والسمر وحكايا الغولة، وقصص “أبو زيد الهلالي وزرقاء اليمامة وعنترة بن شداد والزير سالم، وتغريبة بني هلال» وغيرها من قصص التراث العربي، والاحتفال بعيد البربارة أو البر السوري قديم، حيث تقوم النساء بطبخ الحنطة المسلوقة على الحطب، ويضاف إليها اللحم أو الدجاج وتترك حتى يصبح المزيج هلامياً، ثم يضاف إليها كالعادة الملح والماء حتى تنضج، وكان يقال بالأمثال (بين القداس والبربارا بيروح من النهار زرقة فارا) أي قدر لحظة من الزمن.

عيد البرّ

وبيُن عجمية أنه عيد “القدّيسة بربارة” ، لكن بعض الباحثين كتبوا مؤكدين في محاكاة العيد ومن خلال اسمه، أنه عيد البرّ،  والبرّ اسم سوري للقمح والشعير، ووقت زراعتهما هو فصل الشتاء (في هذه الأيام ) وبداية سنة سورية جديدة،  فالبربارة عيد زراعة القمح، ونهاية سنة سورية ليبدأ تاليها، وفي كلتا الحالتين سواء كان عيد القديسة أم عيد زراعة القمح فهو طقس جميل وكل “بربارة” وأنتم بخير.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار