ثقافة الاعتذار.. فعل نبيل ولغة سامية يفتقدها الكثيرون اختصاصية نفسية: التسامح بداية جديدة تعيد الاحترام والود بيننا
تشرين- نور حمادة:
الإنسان ليس ملاكاً معصوماًعن الوقوع في الخطأ، جملة تتردد أمامنا باستمرار، فكلنا في لحظة من اللحظات نخطئ بحق بعضنا البعض، وتبدر منّا تصرفات وكلمات قد تسبب جرحاً للآخرين، وامتلاك القدرة على الاعتذار تعدّ من أسمى القيم التي ينال فيها المخطئ بحق غيره المراتب العليا مهما كانت الظروف المحيطة به، كما أنها أحد الفنون البشرية التي يفتقدها الكثيرون،لأنها تتطلب قدراً من العلم والثقافة والذوق والحلم.
ومن وجهة نظر البعض ليس من السهل أن يعتذر الإنسان عن خطئه لمن كان ضحية له، لأن كلمة (آسف) يعدّونها تنازلاً ونقطة ضعف ومستبعدة من قاموسهم لاعتبارات وتقاليد نمطية متوارثة، بينما يراها البعض الآخر دليلاً على الشجاعة والقوة واحتراماً لمشاعر الآخرين.
فضيلة الاعتراف بالذنب
الاعتذار كلمة تحمل بين ثناياها شفاء للعلاقات الإنسانية وتشكل ثقافة مستقلة تعرفها جلّ الثقافات هدفها إصلاح ما قد كسر خلال تصرف غير مقصود مع الآخرين، ويكون وساماً على صدر صاحبه ودليلاً على نبل قصده، بهذه الكلمات عبّر وسيم محروس عن معنى الاعتذار وتابع: من يرى الاعتذار ضعفاً وإذلالاً يكون لديه عقدة نفسية ومشكلة بالبيئة المحيطة التي نشأ بها لأن الاعتذار من شيم الكرام وينزع الضغينة من النفوس، ويعطي مساحة واسعة للتسامح والمحبة، ويعطينا فرصة لتبرير مواقفنا السيئة وتلافيها بحكمة وبطريقة لبقة بعيدة عن التجريح، فالاعتذار فن حقيقي في مجتمعنا ليس معيباً على الإطلاق.
تربية ذكورية
يعد العقل الذكوري مجموعاً من السلوكيات والأفكار التي تبرر وتدعم سيطرة الرجال على النساء، فهو يمنح الرجل العديد من الامتيازات أولها رفض فكرة المساواة مع المرأة والنظر إليها من خارج الواقع، وبعض العائلات تربي أبناءها الذكور على مبدأ استبدادي سلطوي وأن الرجل له كيانه الخاص الذي لا يسمح له بالتنازل للنساء والاعتراف بحقوقهن، لأن ذلك وفقاً لعقليتهم الرجعية انتقاص لرجولتهم ولأن طريقة تربيتهم الذكورية مازالت تسيطر على معتقداتهم، وهو ما حصل مع عبيدة طاهر التي استمرت في حالة خصام مع أخيها لمدة ثلاث سنوات وكان هو المخطئ في حقها ولم يفكر بالاعتذار منها لأن والده رباه أن الذكر مفضّل اجتماعياً ولا يحق للأنثى التمادي عليه وتتابع: أهلي دوماً في صف أخي وهو دائماً على حق ولا تجوز مخالفته، فأصابه الغرور والتعالي إلى أن بادرت للاعتذار منه وكنت بنظره في النهاية المخطئة بحقه ولا ألومه لأنه نشأ على ذلك.
اختلاف نوعية البشر
فن الاعتذار هو قيمة عالية من قيم الإنسان الراقي المثقف وصفة إنسانية ومهارة من مهارات السلوك الاجتماعي، ويرى علي بغدادي أن هناك فئة من البشر من الصعب أن تشعر بالندم تجاه أفعالها المؤذية وعنفوانهم الدائم يجعلهم يخسرون من حولهم، وليس كل الناس تتفهم معنى الاعتذار، فهناك من تعتذر لهم بالرغم من إساءتهم لك ولكن لا يفهمون حسن نيتك، ويعتبرون اعتذارك إذلالاً ، لذلك علينا تفهّم طبيعة البشر قبل الاعتذار منهم، وأن نعلم مبادئهم في الحياة.
أهل الاختصاص
الاعتذار هو من التمدن والحضارة، فكثيراً ما تصادفنا مواقف صادمة تضطرنا للغضب، والتلفظ بكلمات قاسية، ولكن من الجميل عندما نهدأ أن نجلس مع أنفسنا نحاسبها على التصرفات المسيئة، ونؤنب ضميرنا ونشعر بالندم تجاه أفعالنا اللاإرادية ونتجاوز الزلات عندما نجد الطرف الآخر بادرنا بالاعتذار، وبرأي الاختصاصية النفسية غنوة حسين فإن التسامح بداية جديدة يعيد الاحترام والود بيننا، ونتغلب على مصاعب الحياة، وبكلمة طيبة وفعل نبيل نشفي الجراح التي تسببنا بها، ونداوي القلوب المحطمة، والتي لا تكلفنا الكثير لإعادة جسر التواصل مع من نحب، ونحاول نسيان الماضي، لأن تذكر المآسي يجعل الحقد يسكن داخلنا، وتكون لدينا رغبة دائمة بالانتقام، وعاقبة ذلك وخيمة، فعلينا بالتواضع وأن نكون سباقين لفعل الخير لأن الحياة قصيرة، ولا ندري متى نرحل عنها، ومن الجميل زرع شيء طيب وكلمة حسنة لدى الآخرين يذكرونها بالخير، لذلك الاعتذار قوة وليس ضعفاً، وانتصار وليس هزيمة.