أكثر من ٥٠ مليار دولار خسائرنا في التجارة الخارجية.. باحث اقتصادي يرصد دور التجارة الخارجية في نمو الناتج المحلي السوري
باسم المحمد
قدر الباحث شامل بدران إجمالي خسائر الاقتصاد السوري الحقيقية في التبادل التجاري نتيجة الحرب على سورية بـ 50.5 مليار دولار .
واعتمد بدران في تقدير هذه الخسائر -خلال محاضرة ألقاها أمس في ندوة الثلاثاء الاقتصادي التي دعت إليها جمعية العلوم الاقتصادية- بناء على نموذج إحصائي لتقدير الصادرات والمستوردات الفعلية للفترة (2011-2020) بالأسعار الثابتة لعام 2010 وذلك باستخدام المخفض الضمني للناتج المحلي الإجمالي وسعر الصرف الرسمي للصادرات والمستوردات، وذلك وفق “فرضية النموذج الاستمراري” أي بافتراض أنه لم تتم الحرب على سورية باستخدام بيانات السلسلة بالأسعار الثابتة لعام 2010 واستخدام المخفض الضمني للناتج المحلي الإجمالي، وحساب الفروقات للسنوات نفسها مع السلسلة الفعلية بالأسعار الثابتة.
ووفقاً لهذا النموذج فقد بلغت خسائرنا في الصادرات 29.77 مليار دولار وبين ما تم استيراده فعلاً 20.80 مليار دولار .
وبيّن بدران أن النموذج يمكن الوصول إلى حجم الخسائر على مستوى تفصيلي لمجموعات السلع ومجموعات الدول المرتبطة بعلاقات اقتصادية مع سورية.
إستراتيجية ٢٠٢١
وأشار بدران إلى إطلاق الحكومة في عام 2021 إستراتيجيتها الجديدة ومن أهم أهدافها تحسين الواقعين الخدمي والمعيشي، زيادة الإنتاج واستثمار الموارد الذاتية بالشكل الأمثل، تهيئة البيئة المناسبة للاستثمار في مختلف القطاعات.
مركزة في إستراتيجيتها على تشجيع الاستثمار وتقديم التسهيلات اللازمة لذلك وتذليل العقبات، وتوسيع قاعدة المشاريع الصغيرة والمتوسطة، و تشجيع مشاريع الطاقة البديلة وتوفير البيئة التشريعية المناسبة لها، و تكثيف الجهود لمراقبة الأسواق وضبط الأسعار، وتعزيز عمل مؤسسات التدخل الإيجابي والتوسع الأفقي فيها، واستجرار كامل إنتاج المؤسسات العامة لتوفيرها في منافذ السورية للتجارة، وتعزيز العدالة الضريبية كنتيجة لإصلاح النظام الضريبي ومعالجة التهرب الضريبي، والاستمرار بتصويب آلية الدعم وضمان وصوله إلى مستحقيه وغيرها..
مبيناً أن تلك الأولويات لم تتضمن سياسة الحكومة فيما يتعلق بــ”سياسات التجارة الخارجية” مع العلم أن الحكومة تتبنى إستراتيجية إحلال الواردات منذ عام 2017، و تقييد سياسات توفير القطع الأجنبي للمستوردات للسلع الضرورية، والمساعدة على تشجيع الصادرات عبر العديد من الأدوات الاقتصادية.
وعزا بدران ذلك إلى تركيز الحكومة على الأولويات المتعلقة بتحسين الواقعيين الخدمي والمعيشي، بسبب التأثير السلبي لارتفاع مستويات التضخم والضغوط الاقتصادية الداخلية والخارجية على الوضع الاقتصادي العام، واعتماد سياسات اقتصادية ذات أبعاد متعلقة بالاعتماد على الذات لتجنب الضغوط الاقتصادية الخارجية، على الرغم من صعوبة تطبيق تلك السياسات في ظل استمرار الحرب على سورية لمدة تجاوزت عشر سنوات، وعدم وضوح المواقف الاقتصادية الدولية تجاه سورية في ظل الارتباط بين دول الأطراف ودول المركز في العالم.
رؤية مستقبلية
وحسب الباحث تأتي أهمية البحث من خلال وضع رؤية مستقبلية للتجارة الخارجية في سورية ضمن نموذج رياضي قابل للقياس والتطبيق، يتم استخدامه من الجهات الاقتصادية المرتبطة بسياسات التجارة الخارجية، إضافة لقياس حجم الخسائر الحقيقية (الفعلية والفرصة الضائعة نتيجة الحرب) لهذا القطاع المهم، وذلك وفق عدة فرضيات أهمها الاستقرار السياسي في سورية في ظل تغير المناخات السياسية الدولية، وإنهاء الحرب على سورية بأشكالها المختلفة السياسية والاقتصادية، وكذلك اعتماد رؤية واضحة لإعادة إعمار سورية، وتحديد الأطراف الدولية المساهمة في إعادة الإعمار، والبدء بتنفيذ وثيقة سورية ما بعد الحرب التي أقرتها الحكومة السورية في عام 2021، إضافة إلى إعادة وضع الحكومة سياسات التجارة الخارجية ضمن أهم أولوياتها الاقتصادية، باعتبارها محركاً أساسياً للنمو الاقتصادي في مرحلة سورية ما بعد الحرب.
أهم النتائج
وخلص البحث إلى وجود علاقة طردية موجبة وذات دلالة إحصائية خلال الفترة (2001-2010) بين الناتج المحلي الإجمالي والصادرات، وكذلك الأمر بين الناتج المحلي الإجمالي والمستوردات.
أما خلال الفترة (2001-2019) فإن العلاقة بين الناتج المحلي الإجمالي والصادرات علاقة طردية وموجبة وضعيفة وغير معنوية إحصائياً، أما العلاقة بين الناتج المحلي الإجمالي والمستوردات فهي علاقة عكسية وقوية ذات دلالة إحصائية، وبتحليل تلك النتائج نجد أن تأثير الحرب كان أكثر على العلاقة بين الناتج المحلي الإجمالي والمستوردات، الأمر الذي يعني أن بنية وتركيبة المستوردات لم تكن لصالح تحسين الناتج المحلي الإجمالي، ما يستدعي دراسة تلك الظاهرة بشكل عميق وبدراسات متخصصة على صعيد تحليل بنية المستوردات خلال فترة الحرب.
وبذلك نستطيع حساب حجم الناتج المحلي المطلوب في حال تم وضع خطة لاستهداف الصادرات بشكل رقمي. ما يوفر تخطيطاً مستقبلياً لكافة القطاعات على أسس علمية واضحة، كما يمكن استخدام النموذج ليحقق الغرض النهائي المرجو منه في دفع عجلة التنمية الاقتصادية إلى الأمام.
وفي البحث تمت دراسة التركيب الهيكلي للتبادل التجاري (الصادرات والمستوردات) للأعوام 2010 و2018 وترتيب أهم 15 بنداً للصادرات والمستوردات على المستوى الثالث للتصنيف، ما يتيح بناء نماذج استهداف على مستوى بنود السلع في المستقبل.
مقترحات مستقبلية
ووفقاً لبدران فإنه من خلال تحليل النموذج باستخدام أدوات الاقتصاد القياسي والأساليب الإحصائية يتبين ضرورة العمل على توسيع نطاق استخدام نماذج بشكل تفصيلي أكثر- ولا سيما في ظل توفر قاعدة بيانات متكاملة تتضمن المكونات التفصيلية لعناصر التجارة الخارجية في سورية ولسلسلة زمنية مناسبة ما يتيح إمكانية استخدام النماذج المقترحة بكفاءة أعلى -على مستوى التبادل التجاري لسورية مع كل دولة على حدة أو كتلة دول، والتبادل التجاري لسورية لكل سلعة أو لكل بند جمركي ضمن التصنيف الدولي على أي مستوى مطلوب، ووضع مؤشرات التجارة الخارجية المعتمدة ضمن المؤشرات الدولية، لاستخدامها في رسم رؤية إستراتيجية مستقبلية لتطوير وتنمية قيمة الصادرات، ومتابعة وتقييم نجاح سياسة إحلال المستوردات لفترة زمنية محددة.