زارت إحدى مدربات الطاقة الإيجابية، وهي ثلاثينية بابتسامة لا تفارقها، مدرسة إعدادية، واجتمعت بالمدرسين والمدرسات من أجل تلقينهم أساسيات الوصول إلى الرضا الذاتي، وشحذ الهمم، وتعزيز موقفهم الإيجابي الذي ينعكس على محيطهم، بما يحدثه من أجواء مفعمة بالرغبة في العطاء، والإجادة، والابتكار، والإبداع في العمل.
وبالفعل بدأت تلك المدربة بالشرح والتفصيل، وضرب الأمثلة “على الطالعة والنازلة”، إذ تقول لتلك المدرّسة إن عليها أن تؤمن بذاتها، وبأنها ملكة في بيتها وفي صفِّها، وأن عليها أن تتخيل دائماً التاج فوق رأسها، وألّا تتخلى عن ثقتها بنفسها، مهما تعاظمت عليها الظروف، كواجباتها المنزلية التي تحيطها من كل جانب، ومتطلبات أولادها التي لا تنتهي، وضرورة مراعاتها لزوجها المتعب دائماً.
وفي الصف عليها أن تتجاوز ضنك الأربعين طالباً، من صنف “شاقّين الأرض وطالعين”، وأن مهنتها السامية توجب عليها أن توصل رسائلها التعليمية والتربوية بأسلس الطُّرق، ولو كلَّفها ذلك جهداً إضافياً.
وبالمثل وجّهت كلامها لأحد المدرسين المُكلَّفين حديثاً، وكان بالمصادفة أعزبَ، بأن عليه أن يتحلّى بالجرأة لخوض غمار الحياة على صعوبتها في الآونة الأخيرة، والاستعداد لأن يكون عنصراً فاعلاً في مجتمعه، وألّا يُفكِّر بالمكافأة المادية الهزيلة التي يتلقاها لقاء خدماته الجليلة في تنشئة الجيل التي لا تُقدَّر بثمن.
ذاك تنصحه بأن يتجنَّب السَّأم بعدما أمضى ثلاثين عاماً في التدريس، وتلك بأن تنسى آلام المفاصل والروماتيزم ودوالي الساقين، وتُفكِّر كيف أنها مُقدَّرَة لبذرها المعرفة في عقول الناشئة…
نصائح وتوجيهات وصفها الحاضرون بأنها “شي بيكبّ وبيعمي” رغم الابتسامات العريضة من المدربة الإيجابية.
لكن ما حصل مع الأستاذ الأعزب مصادفةً أنه استقل الحافلة ذاتها التي كانت فيها المدربة، وجلس في المقعد الخلفي من دون أن تعرفه أو تميزه لكثرة الحاضرين في الاجتماع، وإذ بها تتحدث مع السيدة التي بجانبها، عن اللامعقولية التي تصادفها في كل مفاصل حياتها، من معاملة زوجها، إلى كيفية تربية أطفالها، إلى سوء تقدير كفاءاتها العلمية وتكليفها بما لا طاقة لها عليه، وكل ذلك بوجه واجم مُتكَدِّر تحسبه لامرأة ثمانينية.
ضحك الأستاذ الأعزب في سرِّه من هذه المفارقة، قائلاً للسائق: “أنزلني على يمين الطاقة الإيجابية لو سمحت”.