واشنطن والصين .. هزيمة الذئب الجريح
ميشيل كلاغاصي:
منذ وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض ، قامت واشنطن بالاعتماد على محاولات هيمنتها وطاعة “حلفائها” الأوروبيين والتحاقهم بسياستها الخارجية ، وبإطلاق شرارة الحرب على روسيا عبر البوابة الأوكرانية ولاحقاً السويدية والفنلندية ، ما أجبر روسيا على شن عملية عسكرية خاصة لحماية أمنها القومي ومصالحها وشعبها ، وفي الوقت ذاته مضت واشنطن نحو تصعيد الاستفزاز تجاه الصين ، بما يؤكد مخططها لإشغال القارة الأوروبية وروسيا ، والانطلاق نحو معركتها الرئيسية وعدوها الأول وهو الصين ، من خلال تحديد أهدافها ومخاوفها ومزاعمها من تنامي القوة العسكرية والاقتصادية للصين ، باعتبارها تشكل تهديداً مباشراً لأمنها القومي.
لأجل هذا الهدف ، وعبر السنوات العشر الماضية لم تألُ الإدارة الأمريكية جهداً أو مناسبة للدفع بمخططها الخبيث تجاه الصين ، واعتمدت الاستفزاز وسيلةً مباشرة لتسخين الأجواء ، وعرقلة تنامي القدرات الصينية الاقتصادية والسياسية التي تقودها نحو قيادة العالم ، وإلهائها بحروبٍ جانبية ، من البوابة التايوانية ، وبتحويلها إلى حرب أوسع مع تقدمها بحشد “حلفائها” الاّسيويين ، وبما يمكنها من الدفع بالناتو والأسلحة نحو الشرق الأوسط والقارة الاّسيوية برمتها ، وحيث تستطيع منافسة الصين عبر العلاقات الثنائية مع بعض الدول الاّسيوية .
لكنها ، أي واشنطن ، لم تستطع حتى اللحظة منافسة بكين في الإطار الاّسيوي ورابطة دول الاّسيان.
وفي هذا السياق , يمكن قراءة جولة الرئيس الأمريكي الاّسيوية ولقاء قادة اليابان وكوريا الجنوبية والهند واستراليا “لتعزيز العلاقات”– بحسب البيت الأبيض – في وقتٍ اعتبرت الخارجية الصينية أن الزيارة تشكل “استفزازاً علنياً ، يهدف إلى إضعاف النفوذ الصيني”.
ليس هذا فحسب بل سارعت واشنطن للعمل على تطوير قدراتها العسكرية وحضورها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ , وتعزيز تعاون قوات مشاتها البحرية ، مع القوات المسلحة لبعض الدول الحليفة في المنطقة من أجل معارضة بكين.
واستطاعت العام الماضي , التوصل إلى اتفاقية “أوكوس” الأمنية , مع استراليا وبريطانيا , في مسعى مباشر لتقويض التوازن الهش في منطقة آسيا والمحيط الهادئ , مستغلةً وجود بعض الخلافات الحقيقية حول بعض القضايا , كالامتعاض الأسترالي – بتحريضٍ أمريكي – من توقيع الصين وجزر سليمان اتفاقيةً أمنية.
كذلك استثمرت واشنطن استفزازاتها للصين , عبر إجراء تدريباتٍ ومناوراتٍ عسكرية مشتركة أجرتها مع القوات الفلبينية , شارك فيها الفوج البحري الثالث ، ومشاة البحرية ، والقوات البحرية ، من خلال محاكاة مشهد محتمل لهجومٍ صيني لاقتحام الجزر المتنازع عليها في المنطقة ، ركزت فيها تلك التدريبات على الحركة والنقل السريع للجنود والمقاتلين من جزيرة إلى أخرى.
تحاول السلطات الأمريكية أيضاً , اقتباس وتطبيق تجربتها في الصراع الأوكراني على تايوان , ووفقاً لصحيفة نيويورك تايمز، فإن تطوير القدرات الدفاعية التايوانية اكتسب أهمية إضافية منذ ما سمته “الغزو الروسي” لأوكرانيا ،في وقتٍ يحاول فيه الأمريكيون تحديد معرفة ما إذا كانت القوات المسلحة التايوانية ستكون قادرة على مواجهة القوات الصينية ، على غرار ما أظهره الأوكرانيون في مواجهة القوات الروسية ، وعبّر وزير الخارجية الأمريكي بلينكن عن رغبة بلاده بتأكيد قدرة تايوان و”امتلاكها وسائل الدفاع عن نفسها” ، لتتمكن من إعلان نفسها “دولة مستقلة”.
ومع اختلاف بيئة الحرب الاستراتيجية ما بين أوكرانيا وتايوان , يبدو تعويل واشنطن يرتكز على إشعال النار على طول الحدود الصينية , وبأن الغرب معنيٌ ومسؤول عن أمن منطقة المحيطين الهندي والهادئ ، وضرورة وجود قوات الناتو في بحر الصين الجنوبي , وهذا ما يحاول ترويجه قائد الناتو ينس ستولتنبرغ , ووزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس وآخرون , و”ضرورة نقل خط الدفاع التالي إلى بحر الصين الجنوبي” , في وقتٍ , يدرك فيه الروس خطورة هذا التحرك , حيث سبق لهم التحذير من خطورة السلوك الأمريكي وتحالف “أوكوس” في منطقة بحر الصين الجنوبي.
لا يمكن الاستهانة بالمخططات الأمريكية وبخطورتها على الصين والدول المحيطة , بل على العالم أجمع , وسط تحركاتها وتحضيراتها السريعة , ومحاولاتها لتعزيز علاقاتها الثنائية مع عديد الدول الاّسيوية , وإخضاع الرافضين منهم لأوامرها عبر الترغيب التجاري والاقتصادي والمساعدات العسكرية , أو عبر الترهيب والتهديد , في محاولة واضحة لقطع طريق مشروع الحزام والطريق , وأقله لوضعه تحت مرمى نيرانها وأدواتها , إما بالوكالة أو بالأصالة , على غرار حربها على روسيا , والساحات التي تستطيع إشعالها أيضاً، وسط إدراكٍ ومراقبةٍ روسية – صينية مشتركة للمخططات الأمريكية , لا بد من الحفاظ على وحدة الصف وتأكيد العلاقات الاستراتيجية بينهما , وسط إعلان عشرات الدول انتقادها للهيمنة الأمريكية (على سبيل المثال البرازيل , الأرجنتين , فنزويلا ، كوبا ، إيران ، سورية واّخرون )، وتحوّل أنظارهم نحو الصين على أنها المنقذ الاقتصادي لضمان استعادة استقرارهم الداخلي ، فالولايات المتحدة ليست قدر الشعوب والدول ، وهزائمها العسكرية والسياسية في عديد الجبهات ، تؤكد أنها الذئب الجريح وليست الذئب الذي لا يمكن النيل منه.