قدرها الاحتجاب.. كانت مجلات وبعدها مواقع ثقافية
علي الرّاعي
ذات حينٍ من الدهر، كان أن ازدهرت مجلات استقطبت المثقفين العرب مثل مجلة الثقافة الوطنية ومجلة الآداب في لبنان، ودوريات ثقافية أخرى في سورية.. وحسب ما صرّح به أدونيس مرة: إن مجلة “شعر” أحدثت منعطفاً في مسيرة الشعر العربي، على الرغم من كل ما قيل، فالشعر قبل المجلة، مختلف تماماً عن الشعر بعدها.
حتى في الغرب أيضاً، ثمة من يرى أن الصحافة الثقافية شكلت عنصراً مهماً في تشكيل الآليات التي ربطت الجمهور بالصحيفة، حتى إن الحداثة الأدبية في القرن الماضي يؤكد الكثيرون أنها ارتبطت بالصحيفة، وحققت عبر ذلك ارتباطاً وتواصلاً مع المخيلة الثقافية العامة.. غير أن مثل تلك المشروعات تبدو اليوم، أنها قد تلاشت، أو هي تمشي على هذا الطريق، تلك التي تعطي الشرعية لأسئلة موجعة تُطرح من الكثير من المثقفين حول الصحافة الأدبية والثقافية؟
في صحافتنا السورية هناك أمثلة جيدة لذلك، كانت قد صدرت أواخر السبعينيات منها: ملحق الثورة الثقافي القديم ، وتشارك في هيئة تحريره نخبة من القامات الإبداعية السورية، حيث مجرد أن ينشر شاب أو فتاة نصاً أدبياً في صفحة أدب الشباب؛ كان يُعتبر ذلك ورقة عبور رسمي إلى الوسط الثقافي و”فيزا” للإعتراف به.
ثمة خلل حدث منذ عقود ولا أحد يفكر في إصلاحه كأنّ الثقافة لا شأن ولا أهمية لها، وبين الحين والآخر تتم محاولة النفخ في القرب المثقوبة وهذا كما هو معروف لا يجدي نفعاً.. نذكر مجلة “شعر” ونذكر مجلة “الآداب” ونذكر أيضاً مجلة “المعرفة” السورية التي كان لها حضورها وتأثيرها على المستوى العربي، حيث تبدو هذه الدوريات أنها أنجزت مشروعها الثقافي، ثم توقفت، فيما بقيت أخرى تصدر، ولا أحد ينتظر صدورها.. حتى صحافة الثقافة في بلدان الخليج العربي وقفت أوزارها، فلا أثر اليوم لمجلة العربي الكويتية، ولا الوحدة المغربية، وبقي ما يصدر اليوم أقرب للصدى الثقافي منه إلى الثقافة الحقيقية.. ربما لم ينته ذلك الزمن، عندما كانت الصحافة الأدبية للنخبة وليست للجماهير، وستبقى كذلك لأن القياس بينها وبين الصحافة الرياضية مثلاً هو من باب وضع الشيء في غير مكانه، حتى إن مقولة الثقافة الجماهيرية ليست إلا بابا من أبواب التنظيرات الإيديولوجية.
ما أريد قوله إن الصحافة الأدبية تُقرأ مادام هناك نخبة تبدعها وتنتجها وتوزعها حتى لو اختلفت وسائل الاتصال، الآن تحل المواقع الإلكترونية الأدبية محل الصحافة المطبوعة، فإذا حسبنا عدد مشتري النسخ المطبوعة وعدد زوار هذه المواقع سنكتشف أن المعدل لا بأس به في ظل الأمية الثقافية التي (ننعمُ) بها في الوطن العربي الكبير جداً؟!! مع ذلك حتى هذه المواقع الثقافية، – للتذكير فقط المواقع الإلكترونية أول ما بدأت، كانت ثقافية – ها هي تتلاشى لصالح مواقع السياسة أو مواقع (الجباية)، وأقصد المواقع التي تزعم أنها اقتصادية، وهي ليست أكثر من أبواق ترويجية في معظم محتوياتها.. فها هو الأديب العراقي أسعد الجبوري يُعلن مؤخراً إيقاف موقع (الإمبراطور)، فيما أقدم موقع ثقافي، وربما أول موقع إلكتروني إعلامي في العالم العربي الذي أسسه الشاعر البحراني قاسم حداد، وأقصد بذلك (جهة الشعر)، والذي كان النشر فيه حلماً شاعرياً لأي كاتب عربي، (جهة الشعر) اختفى اليوم كاختفاء (مجلة شعر)!.
المشروع الثقافي غائب تماماً، وفي غيابه يغيب الأفق، تم استبدال المشروع الثقافي بمشروع آخر هو مشروع المجاملات والتلفيقات و”تمشية الحال” وهذا معروف في الوسط الثقافي للكل، وعندما تصل الأمور إلى هذا الحد يكون الخراب.. الخشية، أن تصح رؤية ما يراهُ الكثيرون من أن عصر الصحافة الأدبية – ورقية وإلكترونية- انتهى فعلاً، بدليل أن معظم المجلات الأدبية المتخصصة، احتجبت أو في طريقها إلى الاحتجاب، وها هي تلحقها المواقع الثقافية.. ذلك أن لكل مطبوعة أو موقع له عمره الافتراضي كما يرى هؤلاء، فما إن تنهي مهمتها سرعان ما تصبح عبئاً على القارئ والناشر معاً، مع العلم أنه ليس بالضرورة أن تكون مهمتها ثقافية دائماً، ولكم في صحافة الخليج التي تدعي الثقافة والأدب، النموذج السيئ في هذا المجال.