بعد غياب تجاوز الأربعين عاماً.. الفنان أسامة الروماني: عائدٌ لأبقى وأعمل لرد الجميل لبلد أعطانا الكثير
حاورته: يارا سلامة
بعد غياب دام طويلاً، حتى كاد أو ربما نسي الكثيرون ملامحه ولاسيما مشاهدو الدراما التلفزيونية، يعود اليوم الفنان أسامة الروماني، وإن كان بملامح مختلفة غير التي كانت في ذاكرة مشاهدي الثمانينيات والسبعينيات وحتى التسعينيات من القرن الماضي، وعلى وقع أغنيته (بالعز معمرا).. التي أداها في مسرحية «غربة» بجانب الفنان دريد لحام، وهو ما خُتمت به نهاية مسلسل (على قيد الحب) معطياً جرعة حياة لذاكرة جمعية كادت أن تندثر.. عن أسباب هذا الغياب، وكيفية العودة للشاشة وإلى سورية؛ «تشرين» تحاور الفنان أسامة الروماني فإلى التفاصيل..
* سبب غيابك الطويل عن الشاشة، وما العمل الذي كنت تقوم به خلال هذا الغياب؟
في سنة 1978 تم الاتصال معي لأكون مشرفاً على إنتاج الرسوم المتحركة في برنامج الأطفال “افتح يا سمسم” وكان من المفترض ألّا يطول غيابي أكثر من عام، ولكن تمّ تسليمي إدارة المشروع ككل، ومن ثمّ أخذتني سنوات العمل طويلاً، والذي أغراني في هذا العمل لكونني أؤمن بالعمل الفكري، والمؤسسة كان هدفها تقديم برامج تنويرية إبداعية تعي مسألة تأسيس فكر مختلف للأجيال والتأثير بشكلٍ أو بآخر عليه، و جاء هذا مشتركاً مع منطق تفكيري، ولذلك قمت أيضاً بتقديم حملات صحية، وتناولنا برامج للتوعية المرورية، والكثير الكثير من البرامج التنويرية.
* وهل شعرت بالندم لهذا الغياب الطويل؟
الندم شعور غير صحي لكوننا إذا نظرنا إلى الوراء لن نستطيع تغيير شيء، ولكون الإنسان ينظر بشكلٍ دائم إلى الإمام، أو هكذا يُفترض، لذلك لم أشعر بالندم لأني لم أشعر بالخسارة، ولأنني اكتسبت خبرة أخرى، وهي الإشراف على إنتاج البرامج والحملات الإعلامية التنويرية.. صحيح أن هذا الشيء لا يعوّض بشكلٍ كامل الغياب عن الشاشة والتي هي شغفي الأول والأخير، ولكن أنا راضٍ عما قدمته وما اكتسبته من خبرة في مجال الإعلام الجديد .
* برنامج “افتح يا سمسم” نظر إلى الطفل بشكلٍ جدي.. أسألك: أين برامج الأطفال اليوم، وهل مازال طفلنا في عصر التكنولوجيا يشاهد وينتظر هذه البرامج؟.
الطفل على موعدٍ دائم مع أي برنامج يحاكي قدراته العقلية وبرنامج “افتح يا سمسم” توجه إلى أطفال ما قبل المدرسة هذه المرحلة العمرية الأكثر حساسية والأكثر قدرة على تكوين اتجاهات الفرد، وخلال زمان (افتح يا سمسم) كانت مسألة اعتبار الطفل في هذا العمر جديرة بتقديم برامج تحاكي فكره، ويُصرف عليها الكثير من الأموال وتتفرغ لها كوادر مؤهلة واختصاصيون، كان هذا الشق جديداً بالنسبة للإعلام العربي، أما اليوم فالأطفال أصبحوا منفتحين على العالم وعلينا اختيار الأجود لهم.
* ماذا عن مسرح الطفل؟
لا أدّعي أنني مُطّلع بشكلٍ كبير على ما تمّ إنتاجه، ولكن أعتقد أنه كلما اقتربنا من الطفل بشكلٍ مباشر فهو أفضل، وهذا موجود بالمسارح عندما يذهب الطفل إلى حضور مسرحية مع عائلته، وهو ليس موجوداً بالتلفاز الذي يتوجه إلى أطفالنا من دون استئذان على سبيل المثال، ولهذا السبب وغيره أيضاً، يجب على الدولة ويقع على عاتقها تهيئة مؤسساتها من أجل تأسيس مسارح لكل الفئات العمرية، وواجبها أيضاً تقديم ما يجعل الطفل على اتصال دائم مع فكره .
* لماذا لم تشارك بعمل “السنونو” للفنان ياسر العظمة على الرغم من أنكم أبناء جيل واحد؟.
قام الفنان ياسر بالاتصال معي وعرض علي المشاركة، ولكنْ هناك ظروف تتعلق بالوقت لم تسمح لي بالمشاركة، وقد تابعت العمل وأعتقد أن الأستاذ ياسر أصابه سوء حظ في هذا المسلسل، وإن كان لم يفشل ولكن بدأ معه سوء الحظ باختيار (اللوكيشن) في مكان واحد، وهو “الباخرة”.. برأيي كان يجب أن تكون هناك معالجة مختلفة ليظهر العمل بشكلٍ أكثر حيوية، والشق الآخر لسوء الحظ متعلق بكونه لم يختر ممثليه فيه كما كان يختارهم في السابق، والأهم من ذلك كله هو المخرج خيري بشارة.. فعلى الرغم من خبرته، إلّا أنه لم يدرك مع من يتعامل في هذا العمل، ودعيني أقول: إن الاثنين عندما اجتمعا لم يكن هناك كيمياء يستطيع من خلالها بشارة استثمار ما نعرفه بياسر العظمة، لذلك قلت سوء حظ أصاب العمل، ولم يجعل له ذلك البريق الذي رافق مسيرة فنان كياسر العظمة.. واليوم هناك عمل جديد يقوم العظمة بتحضيره وأتمنى له التوفيق بكل الحبّ…
* ماذا كان شعورك عندما دخلت الأراضي السورية؟
لم انقطع خلال الـ(40) سنة التي غادرت خلالها سورية على الإطلاق، ولكن هذه المرة كان شعوري شعور الإنسان العائد إلى حضن والدته بشكلٍ نهائي، وهذا الشعور جميل جداً، وكنت أتحضّر له، فلحظة تقاعدي لن تكون سوى ببلدي ومنزلي وبين من أحب.. عدت لأبقى وأستمر ولأعمل لطالما هناك نَفَسٌ في جسدي، هذا الجسد المُكرس لرد الجميل لبلد أعطانا الكثير.
* غياب لزمنٍ طويل، ولكنك رجعت في موسم درامي واحد لتشارك بثلاثة أعمال, كيف تمّ الأمر؟ * من جهتي أرى أن الخيارات التي عُرضت كانت محدودة، ولكن وفقت بما اخترته في مسلسلات:(على قيد الحب, حوازيق, كسر عضم..) وأخيراً العمل الذي قدمته مع الشاب الموهوب جداً مجيد الخطيب بعشارية (شرف), كلُّ هذا كان مناسباً لبداية إحياء تواجدي في الوسط الفني بعد ذلك الغياب الطويل.
* تتمتع بثقافة عالية في مجالات الكتابة والإخراج والتمثيل, ماذا عن تدريب الإنسان وتخريج الأجيال، وهل من الممكن أن نراك تقوم بدورات تدريبية في هذا المجال؟.
التدريب والمثابرة عليه من أهم الشروط التي تدفع المخرج والفنان بشكلٍ عام إلى أن يرتقي بأدواته ومهاراته، وعند عودتي دخلت كمحاضر في المعهد العالي للفنون السينمائية بتوصية أقدِّرها جداً من المخرج القدير باسل الخطيب عميد المعهد، وحاولت تقديم شيءٍ من خبرتي ومحاولة لتوسيع أفق الطلاب لمهارات يجب أن يمتلكوها.. والتدريب شيءٌ مهمٌ جداً ولا ينتهي بوجود الفنان لمكان معين لأن قدرات الإنسان لا تنتهي .
* مسلسل “على قيد الحب” دراما اجتماعية تليق بنا كسوريين.. ألا تشعر أنه أرجع بنا الحنين إلى إعادة إحياء علاقاتنا بشكل صحيح بعد سني الحرب؟.
أوافقك الرأي فالعمل أعاد لنا الحنين لأيامٍ مضت، فهو تحدث عن الترابط الأسري والعلاقات الاجتماعية بين الناس، وكانت رسالته سامية وتقول: إن لم يكن هذا هو الواقع الآن، فيجب أن نُشجّع على أن يكون كما قدمه فريق العمل من كتابة – فادي قوشقجي- ومخرج وممثلين.. (على قيد الحب) مسلسل حمل الكثير من العلاقات والانكسارات، ولكن كانت هناك رغبة دائمة عند الجميع لتحقيق ذاتهم من خلال الحب، ومن خلال إعادة شأن الحب الذي يعود بنتائج مرضية على الصعيد الإنساني وجعل كل متفرج ينظر إلى قصته الخاصة ويرى أين كان.. تأثير الحب بكل هذه العلاقات التي صادفها في حياته، وكيف كانت دائماً الغلبة للأمر الذي يكون دافعه هو الحب…
* كيف كان التعامل مع مخرج مثل “باسم السلكا” في هذا المسلسل، وهل كان ثمة اتفاق بينكما على الرغم من فارق العمر؟
فرق السن لا يُشكل أي عائق بوجود أحلام مشتركة, وباسم السلكا برغم صغر سنه إلّا أنه يمتلك أكثر بكثير مما امتلكه أنا على مستوى الحلم في تحقيق مسيرة فنية تبدأ وتسير بشكلٍ صحيح, وأنا شخص منفتح أسمع وأفكر كثيراً بما يقال لي.. خاصة إذا كان من شخص أشعر بأن كلامه من دافع الرغبة في التوصل إلى رؤية مشتركة لما نريد تقديمه, على المستوى الشخصي كان هناك الكثير من التناغم الراقي فيما بيننا..