أمام تنامي القوة الاقتصادية للصين واكتساح منتجاتها أغلب الأسواق العالمية حتى الغربية منها، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تفكر في مواجهة العملاق الصيني ودفعه باتجاه «سباق تسلح» لاستنزاف جزء مهم من دخله الوطني، وقد تم التوصل مؤخراً إلى فكرة إقامة تحالف رأس حربته أستراليا يسمى تحالف “أوكوس”.
هذا ما أوضحه مركز الدراسات الإستراتيجية العالمي في مقال تحليلي عرّف بداية التحالف الجديد على أنه تحالف دفاعي إستراتيجي بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، كانت بدايته بناء فئة من الغواصات التي تعمل بالدفع النووي في منطقتي المحيطين الهندي والهادي، حيث ينظر الغرب بشكل خاص إلى صعود الصين المتسارع في هذه المنطقة بأنه تهديد، وهذا ما قاد أستراليا إلى إنهاء الاتفاق الذي عقدته مع فرنسا في عام 2016 لبناء 12 غواصة تقليدية (تعمل بالديزل) واللافت في هذه الصفقة أنها المرة الأولى التي تشارك فيها الولايات المتحدة تكنولوجيا الدفع النووي مع دولة أخرى (أستراليا) بعد مشاركتها إياها مع المملكة المتحدة.
لقد بدلت أستراليا صفقتها من الغواصات مع فرنسا إلى الولايات المتحدة (والمملكة المتحدة) بداعي تنامي الحجم الملحوظ للتهديد الصيني في منطقة المحيطين الهندي والهادي، وهي منطقة شاسعة تمتد عبر بعض الممرات البحرية الأكثر حيوية في العالم، شرقاً من الهند إلى اليابان.. وجنوباً إلى أستراليا بشكل كبير، وخاصة في السنوات الأخيرة.
وفي هذا السياق، فإن الغواصات التي تعمل بالدفع النووي لها مدى أطول وأسرع ويصعب اكتشافها، لكن ستيفن لوفروف، مستشار الأمن القومي في المملكة المتحدة أوضح أن تحالف أوكوس يدور حول أكثر من فئة من الغواصات، واصفاً الاتفاقية بأنها ربما تكون أهم تعاون في مجال القدرات في العالم وخاصة في العقود الستة الماضية، وأضاف: إنه مشروع في طور الإنجاز منذ بضعة أشهر، كما تحدث الرئيس الأمريكي جو بايدن عن الحاجة إلى الحفاظ على منطقة المحيطين الهندي والهادي الحرة والمفتوحة ومعالجة البيئة الإستراتيجية الحالية في المنطقة.
هذا ما دعا الولايات المتحدة إلى عقد صفقة غواصات نووية مع أستراليا ويحتمل أن يتم بنائها خلال 18 شهراً من بدء توقيع الاتفاقية، وفي هذا الوقت يتوقع أن تقوم أمريكا بتشغيل غواصات هجومية من قاعدة بحرية أسترالية في بيرث.
هذا التحالف الجديد بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة أثار غضب فرنسا التي كانت قد وقعت عقداً مع أستراليا لبناء غواصات لصالحها، وقد قامت فرنسا باستدعاء سفيريها من واشنطن وكامبيرا، وهو ما يعكس الغضب الفرنسي من التحالف الجديد، إذ بدا ذلك واضحاً خلال التغريدة التي أطلقها السفير الفرنسي في الولايات المتحدة فيليب إيتان في الساعات التي تلت توقيع الصفقة والتي قال فيها: من المثير للاهتمام الإشارة إلى أنه قبل 240 عاماً بالضبط هزمت البحرية الفرنسية البحرية البريطانية في خليج تشيسابيك، ما مهد الطريق للنصر في يوركتاون واستقلال الولايات المتحدة.
وقد وصف وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الاتفاق بأنه طعنه في قلب فرنسا، كما وصفت فرنسا في عام 2016 العقد الأسترالي بأنه صفقة القرن وبداية زواج مدته 50 عاماً.
كان القصد مما ذكر سابقاً الإشارة إلى تحالف أسترالي- فرنسي أوسع في منطقة المحيطين الهندي والهادي من شأنه أن يمتد ليشمل استخبارات الأسلحة والاتصالات حيث كانت الشراكة الأسترالية محورية في إستراتيجيتها لعام 2018.
أما عن شكل العلاقة بين الحلفاء الثلاثة والصين فهي بكل الأحوال لا تسير على ما يرام، وقد جاءت الصفقة التي لم تذكر اسم الصين رداً على توسع الصين في بحر الصين الجنوبي، حيث شككت الصين في التزام أستراليا بعدم انتشار الأسلحة النووية في حين جاء في صحيفة «غلوبال تايمز» الحكومية، والتي غالباً ما تتخذ موقفاً أكثر تشدداً من المسؤولين الصينيين: «من المرجح أن تكون القوات الأسترالية الدفعة الأولى من الجنود الغربيين الذين يضيعون حياتهم في بحر الصين الجنوبي».
اليوم تواجه الصين تحالفاً دفاعياً قوياً جديداً اسمه تحالف أوكوس في منطقة المحيطين الهندي والهادي، وهو تحالف رحب به الشركاء الإقليميون مثل اليابان، كما تؤكد الولايات المتحدة أن المملكة المتحدة هي شريك عسكري رئيسي لها ما يعطي بايدن فرصة أكبر للتركيز على ما بعد أفغانستان نحو آسيا .
في 24 أيلول الجاري ستتم استضافة أول قمة للجنة الرباعية وهي كتلة تضم اليابان والولايات المتحدة وأستراليا والهند.. أما عن التأثير الفوري للصفقة، يبدو أن العلاقات بين بكين وواشنطن ستستمر في مسارها الحالي الصعب، ويبدو واضحاً أيضاً أن الولايات المتحدة لا تثق بماكرون فيما يتعلق بالعلاقات مع الصين لأنه كثيراً ما قال إنه يريد توجيه مسار وسط بين قوتين عظيمتين متحدثاً عن أوروبا المستقلة التي تعمل إلى جانب أمريكا والصين.
عن «مركز الدراسات الإستراتيجية العالمي»