ليبيا.. خمسة أيام حاسمة
بحسابات الأمم المتحدة هي خمسة أيام «جنيفية» حاسمة لمستقبل ليبيا وإلا..!
بحسابات المفاوضين الليبيين هي كذلك ولكن..!
بحسابات الشعب الليبي -ربما- لا تختلف عن سواها من جولات تفاوض توقف منذ زمن عن عدّها، مع ذلك قليل من التفاؤل لا يضر، عسى ولعل..
*** ***
1- بحسابات الأمم المتحدة -عبر بعثتها ومندوبتها بالإنابة ستيفاني ويليامز- فإن المفاوضين الليبيين في جنيف (حيث تستكمل جلسات الحوار السياسي الليبي- الليبي وتستمر حتى الخامس من شباط الجاري) وصلوا إلى مرحلة من التقدم سيكون من الصعب تعويضها في حال لم تكتمل، أي في حال لم يتفقوا على مجلس رئاسي ورئيس حكومة، وإذا لم يتفقوا فلن يكون هناك انتخابات رئاسية وبرلمانية في الـ24 من كانون الأول المقبل، ما يعني استمرار الدوران في حلقة مفرغة، مع ما يُنذر به ذلك من عودة الميدان إلى الاشتعال من جديد.
والجولة الحالية -التي تأتي ضمن مسار خريطة الطريق التي تم إقرارها في جولة مفاوضات تونس قبل نحو شهرين- متعلقة ببند وحيد هو الاتفاق على رئيس الحكومة وشخصيات المجلس الرئاسي من ضمن لائحة مؤلفة من 45 مرشحاً كشفت عنهم البعثة الأممية (توافق عليهم المفاوضون).. مشيرة إلى أن «المندوبين سيصوتون على تشكيلة المجلس الانتقالي الذي سيتألف من ثلاثة أعضاء ورئيس للحكومة يعاونه نائبان.. وينبغي على هذا المجلس إعادة توحيد مؤسسات الدولة وضمان الأمن حتى موعد الانتخابات».
هذا كلام جميل لولا أن البعثة الأممية شددت على مسألة «احترام التعهدات والوفاء بالالتزامات».. فهذا ما ينتظره الشعب الليبي، حسب تصريحات وليامز.
«الاحترام والوفاء» هذا هو مربط الفرس ولو لم يكن كذلك لما انتهت كل جولات التفاوض السابقة إلى الفشل وهذا ما تخشاه البعثة الأممية وتحذر منه.
2- حسب المفاوضين الليبيين فإن الجولة الحالية هي جولة حاسمة ولكن هناك الكثير من التفاصيل المُختلف عليها حيال المرشحين الأوفر حظاً، وهي وإن كانت تفاصيل -وليس عناوين رئيسية- إلا أنها يمكن أن تكون مؤثرة على نحو سلبي جداً.. هذا طبعاً من دون ذكر الوضع الميداني المعقد والتدخل العسكري التركي ومرتزقته والميليشيات المنتشرة و”الإخوان المسلمين”..إلخ. وعدا عن أن الأطراف الدولية المؤثرة لم يخرج عنها حتى الآن تصريحات يُفهم منها أنها سترمي بثقلها في سبيل الوصول بالتوافقات الحالية إلى خواتيمها السعيدة نهاية العام الجاري، والمقصود هنا الانتخابات.
أيضاً، وحتى في حال اكتمال التوافق على مجلس رئاسي ورئيس حكومة فإن العراقيل والمشكلات التي ستبرز أمام السلطات الجديدة لا يُستهان فيها، ولن تنفع معها «المراقبة الأممية» فعندما ستصل الأمور بالسلطات الجديدة إلى الميدان العسكري، ومن ينتصر ومن ينهزم، سيكون هناك «حديث آخر» وقد يكون خطيراً.
3- حسب الشعب الليبي، فإن ما وصل إليه مسار التفاوض يدعو للتفاؤل ولكن بحذر، فعدا عن صعوبة حصول أربع أشخاص على نسبة الـ 70% من الأصوات فإن المرشحين الأبرز لنيل هذه النسبة عليهم الكثير من إشارات الاستفهام، بعضها متعلق بالنزاهة بشأن رشاً وعمليات تزوير ومحسوبيات.. وغيرها. أيضاً ليس هناك من توافق كامل حولهم من المندوبين (ما يسمى المجمعات الانتخابية) ما يفتح الباب أمام تعميق «قلة النزاهة» باتجاه مساومات وضغوط وعمليات ابتزاز.
ويبقى الميدان العسكري هو المسألة الأخطر في ظل المخاوف بأن لا تنعكس التوافقات السياسية عليه، وهو ما يخشاه الليبيون، خصوصاً لناحية الجهة المُسماة «حكومة الوفاق» وميليشياتها المنتشرة في العاصمة طرابلس، وتركيا التي تسندها بالقوات والمرتزقة، علماً أن أحد البنود الرئيسية في اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم قبل نحو خمسة أشهر هو إخراج جميع المرتزقة من ليبيا، ولكن هذا البند بقي حبراً على ورق.
من هنا تأتي مخاوف الليبيين.. فما هو الحل إذا لم تلتزم “حكومة الوفاق” بإخراج المرتزقة ولم تنهِ التدخل العسكري التركي.. وكيف يمكن أن يكون هناك مجلس رئاسي وحكومة جديدة -يعملان وينجحان في المهمة الموكلة إليهما- في حال استمرار التدخلات العسكرية التركية لمصلحة حكومة الوفاق. هذا الأمر يكفي لوحدة أن ينسف كل ما تم وسيتم التوصل إليه في جنيف وفي غيرها.
المسألة ليست مسألة تمسك بالتشاؤم ورفض الأخذ بمؤشرات التفاؤل، وإنما واقع يفرض نفسه، والجميع يراه ويحذر منه، والجميع يخشى الإفراط بالتفاؤل بمن فيهم الأمم المتحدة التي تحاول جاهدة تعميم حالة التفاؤل ولو من باب «تفاءلوا بالخير تجدوه».