نُسرعُ في كل شيء كما لو أن الهواء سينفد الآن في هذه اللحظة وما مِن قيامة. نُسرع في الأكل نزدردُ طعامنا بلا إحساسٍ بقيمة النعمة أو بمتعة النكهة، نستعجل في الذهاب إلى أعمالنا ليس من محبتنا لها بل لنلحق بـ«السرافيس» المسرعة بدورها والهاربة من شرطي المرور مذعورة مثل أرانب بيضاء عفّرها وحلُ الأيام.
نذهب إلى سوق الخضار كمن يطارد حجل البراري، ننهي عملنا أيّاً كان من دون إحساسٍ بقيمة ومعنى ما نشتغله بل كأن بيننا وبين ما نعمله عداءً تاريخياً اسمه «النكاية بالوظيفة» وما ومَن تمثّله الوظيفة.
نسرع في الكراهية بل ونتبارى في الفضائح على «الفيسبوك» كأننا في مهمة أزلية تدعى «رصف الشتائم والتفنّن في صياغتها»، وفي أحسن «البوستات» نتحول إلى أفلاطون زماننا أو سقراط عصرنا, ناسين من فرط جهلنا أننا أكثر من يحتاج إلى النصيحة وتدريبِ أرواحنا وعقولنا على معرفة أنفسنا بل ومحبتها أولاً كشرطٍ لازمٍ لمحبة الآخرين.
نسرع في كل شيء كما لو أننا لم نتعلم من أخطائنا الفردية ولا من عشر سنوات عِجافٍ تكاد لا تبقي على عِرقٍ أخضرَ في أرواحنا، نستعجل في افتعال الأزمات وفي حلّها هكذا «رفع عتب» أو «قطش ولحش» أو مثلما يفعل جُحا «حِط بالخرج» و«بيحلّها الحلّال»…الخ كأنّ العقل والتعقل وتحكيم المنطق والاحتكام إلى لزوميات ما يلزم هي آخر اهتمامات المعنيين بل آخر اهتماماتنا جميعاً.
نستعجلُ أعمارنا لنكبرَ, معتقدين أن «شوارب» الرجولة وذقون الفحولة هي جوهر النضوج، أو معتقداتٍ بأن «البوتوكس» و«عمليات الشفط والمطمطة ومسخ الأنف» تعني جوهر الأنوثة.
يا إلهي… أما مِن عاقلٍ يعلمنا جمالية التأمل ومتعة التفكّر وقدسية العمل وحكمة الزمن وإيقاعه المتناوبِ بين دقّة القلب ورمشة العين؟
أما من صوتٍ يغني لنا: «يا دارة دوري فينا، ضلي دوري فينا ت ينسوا أساميهن وننسى أسامينا، تعى ت نتخبى من درب الأعمار وإذا هِنّي كبروا ونحنا بقينا صغار، وسألونا وين كنتوا؟ وليش ما كبرتوا إنتو منقلّن نسينا، واللي نادى الناس ت يكبروا الناس… راح ونسي ينادينا»؟