آخرُ أيامه الأزرق..
لا «تغريدات» دونالد ترامب المجنونة على «تويتر»، ولا الصور التسويقيّة لهذا العجوز الثريّ والمقامر المجنون الذي كان يحكم الولايات المتحدة الأمريكية باتت تنفعه أو تفيده شيئاً، فـ«لوبيات» المال التي تُحكم قبضتها، وتتحكّم بالعصبة الأمريكية؛ ما عاد يعنيها هذا الرجل الأشقر، إذ ما عاد يقدّم لها إضافةً ذات شأن تُنتظَر مادامت الصلاحية الشعبوية لهذا الرئيس قد انتهت من منظور أسياد هذه «اللوبيات»، وصار لزاماً على السيد ترامب الخروج من البيت الأبيض بتؤدة ومن دون الالتفات وراءه.. إذ لا مجال اليوم لاستيعاب أيّ مخرجات ترامبية سابقة، فلا تعليق، ولا «تغريدة»، ولا حتى «عطسة» أخيرة يمكن أن تثير الاستهجان بسبب احتمال إصابة صاحبها بفيروس «كورونا»، فالعاطس ما عاد مصدر اهتمام أو إثارة أو نقاش، وما عاد حضوره يثير اللغط والجدل، واللحظة التاريخية، اليوم، مطلوبٌ فيها عدم استفزاز المدّ الشعبي الأمريكي بفعل الحراك الانتخابي ريثما يستوعب الحالة الجديدة الطارئة، ويركد، ويتقبّل الإفرازات الصفراوية للأحشاء الأمريكية «العميقة».
وما بين الـ«ترامب» والـ«بايدن» هنالك رأسمالية أمريكية تعمل بلا هوادة، وثمة استراتيجية صهيو- أمريكية ثابتة، لا خلاف على تنفيذها بين رئيس جمهوريّ أو ديمقراطيّ، ولا فرق إلا من حيث لائحة المطالب وتكتيك الساعة الذي يجب أن يضمن للولايات المتحدة الأمريكية الاستمرار في ممارسة سياسة العنجهية وفرض الإملاءات وشنّ الحروب وفرض «العقوبات» الوحشية على الشعوب وتدمير الدول «لإخضاعها» وبسط السيطرة عليها بالنار والحديد، وحصارها وسرقة ثرواتها وإفقارها، وكلُّ إدارة أمريكية تتحرّك حسب استراتيجية «لوبي» مالي وعسكري واقتصادي لأربعة أو ثمانية أعوام قادمة.
والرئيس ترامب،هذا الرئيس الأمريكي المثير للجدل، وصاحب اللوثة العقلية الغريبة على مرّ التاريخ السياسي الأمريكي، والذي شغل العالم؛ ليس بتصريحاته الغريبة والرعناء واللامسؤولة فقط، وإنّما لأنّه عرّى أمريكا تماماً بـ«شوفونية» بيضاء، فقد بذل الكثير من أجل «إسرائيل»، إذ قدّمت إدارته للكيان الصهيوني ما لم تسبقها إليه إدارة سابقة، ودعمته دعماً لا محدوداً لم ينلهُ من الإدارات الأمريكية السابقة، إذ حقّق له ترامب المستحيل بإعلان القدس «عاصمةً» له، ونقل السفارة الأمريكية إليها، وكذلك إعلانه المشؤوم حول الجولان السوري المحتلّ، وإطلاق ما يسمى «صفقة القرن» بما تعنيه من «تصفية» للقضية الفلسطينية، إضافة إلى أن ترامب تمنطق بمنطق رجل الأعمال في سياسته الدولية، فما كان منه إلا الانسحاب تلو الانسحاب من المعاهدات الدولية الكبرى غير آبهٍ بالنتائج، فلا قضايا حقوق الإنسان تعنيه، ولا القضايا البيئية أو المناخية يمكن أن يناظرها إلا من منظور الأرقام والحسابات وانعكاساتها على تحقيق المصالح وزيادة الأرباح المادية.
كما أننا لا ننسى أنه حصد بعملية سطو مكشوف أموال بعض الدول العربية التي بات حكّامها مرتهنين لنتائج الانتخابات الأمريكية!
وها هو جو بايدن المنافس لترامب قد فاز، بايدن الذي أيّد يوماً الحرب الظالمة على العراق عام ٢٠٠٣، فاز بفضل حصاده أصوات الرافضين سياسة ترامب اللامسؤولة أثناء فترة حكمه.
إذاً، الانتخابات الرئاسية الأمريكية انتهتْ، وما بين مهتمٍّ بها أو مرتهنٍ لنتائجها؛ تمت إعادة تدوير صورة أمريكا «الدولة العظمى!»، وكذلك تطلّعات سيطرة حداثية متمركزة على التحكّم بزمام السلطة وجمع الثروة، وقهر الإنسان بفعل العنف والإرهاب ووضعه تحت السيطرة، بينما الحقيقة الثابتة هي أن «أمن» الكيان الصهيوني في المنطقة هو أولوية أمريكية من دون جدال، لكن الدول والشعوب صاحبة السيادة والقرار المستقلّ والرافضة للارتهان والخضوع للسياسة الأمريكية الفاسدة والمتغطرسة واللاأخلاقية ستمضي في ممارسة فعل المقاومة وخوض معركة الإنتاج والنهوض، غير آبهةٍ بضجيج الانتخابات الرئاسية الأمريكية ونتائجها أياً تكن.