استدامةُ المصالح الصهيو- أمريكية

إن بنية النظام الدولي المعنون بتفوق الأقوياء وبسط سيطرتهم ونفوذهم، اقتصادياً وسياسياً وحتى فكرياً، والذين يحرّكون، ويتحكّمون بحركة الأحداث الأكثر تأثيراً في توجيه التطوّرات والمتغيّرات في العالم، هذه البنيّة استطاعت فيها الولايات المتحدة الأمريكية بسط هيمنتها ويدها الطولى قرناً من الزمان تتحكّم بالعالم ومصائر شعوبه، وتوزع كلّ ما هو محفوظٌ في بواطن وخفايا السياسة الأمريكية التي تنتهج وتعمد إلى توزيع الحصص وبيادق المؤسسات العالمية والسيطرة عليها، حسب محفل إمبريالي مأمول، لتصدير استراتيجيات التكتيك الأمريكي المتشعّب في البنى الأمّ لعولمة العالم المعاصر المتأزّم بسبب كوارثه المحقّقة وفقاً لمعادلات وخرائط تشكّل بؤر حرب وسلم، حسب المزاج الأمريكي القائم على النفاق والرياء السياسي، والخلط الدائم والفوضوي بين الأحداث، والمؤثر والمضلّل للتحكّم التامّ بمصير الساحة الدولية وتحريك خيوط أحداثها من دون حياء أو خجل؛ عبر استغلال عصابات الإرهاب والإجرام في العالم، ونشر العنف، إن على نحو مباشر أو غير مباشر، وبأشكاله الإجرامية و”الناعمة”، ليكون «استثمار» الإرهاب هو الوسيلة الأهمّ في السياسة الأمريكية الخارجية، لتوجيه التطوّرات والتغيّرات المسيّرة أمريكياً والمؤثّرة في حركة الأحداث العالمية حسب بوصلة المصالح الأمريكية وأطماعها.
وفي ظلّ السياسات الأمريكية الباطنة منها أو المعلنة ستكون «إسرائيل» هي الحاضر أبداً في العقل التدبيري والوقائي والاستراتيجي الأمريكي، هذا العقلُ الأمريكي الحريص كلّ الحرص على هذا الكيان الصهيوني الذي يعدّه بمنزلة جزء من جسد الدولة الأمريكية، أي ولاية أمريكية عضوية، معنيّة أمريكا بكلّ حاجاتها ومعالجة تشوهات ولادتها ووجودها غير الشرعي، والمحتاجة دوماً لمدّها بأسباب الحياة والنمو، فالأمريكي معنيٌّ جداً بـ«إسرائيل»، حتى إنّه بات يتفوّق باهتمامه بها على “قادتها وسياسيّيها”، إذ إنّ الحفاظ على أمن «إسرائيل» يهمّ أمريكا ويعنيها، لأنه يحقّق مصالحها الاستراتيجية في المنطقة، فـ«إسرائيل» جزء مهم ورئيس وعضوي في باطن العقل الأمريكي المجرم وخفاياه الخبيثة.
لذلك، فإن اللعب «على المكشوف» سيستمرّ بأوراق الإرهاب والمال والإعلام والاقتصاد أدوات أمريكا الدائمة، حتى في حروبها المعاصرة والموجّهة، وجيلها المُعَولَم، وكذلك ما سمّي «الجيل الرابع» من الحروب العالمية وأهدافها ما بين الكليّ والجزئيّ، ولابدّ أنّه سيكون للكيان الصهيوني النصيب الأكبر والأوفر من ثمار هذه السياسة الأمريكية، والساحة الدولية لابدّ ستكون أيضاً حاضرةً وشاهدةً، تتحدّث عما قدّمته سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الفاجرة، الحضن الدافئ لـ«إسرائيل» التي باتت مركزيتها تزداد، إقليمياً، على الرغم من أنها بؤرة نتنة تشكّلت من قيح علاقات دولية فاسدة، ومصالح استعمارية تشابكت، وتكاثرت حتى باتت «إسرائيل» سرطاناً حيّاً ومدعوماً جينياّ من كبرى الدول العالمية التي صارت اليوم تحتفي -على حدّ زعمها- ببزوغ فجرٍ “شرق أوسطي جديد”، يقوم على تعاطٍ عربي مختلف مع «إسرائيل» مبني على التطبيع -علانيةً لا سرّاً- مع الكيان الصهيوني الذي صار الاهتمام بمصالحه وأمنه من بدهيات نجاح كلّ مشروع أو برنامج انتخابي أمريكي، وهو أمر لا يعتريه أيّ شكّ أو لبس أو غموض أو اختلاف، إلا فيما يخصّ ربّما حقوق الشعب الفلسطيني وعموم الأراضي المحتلة إسرائيلياً.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار