يقولون إن المواطن بات كـ«البق» دائم «النق» لا ينام، ويحرم غيره النوم، ربما هو التشبيه المثالي لحال المواطن اليوم، فكما «البق» لا يحل عن النائم حتى يحصل على قطرة دم يروي فيها ظمأه، كذلك المواطن لا يمل ولا يكل من المطالبة بتحسين وضعه المعيشي، ولكن مطالبه تبقى معلقة وغير مستجابة مادامت مرتبطة بتحقيق نتائج معادلات اقتصادية.
ومهما تكن تلك المعادلات، فقد تم اختزال جميع أطرافها وحصرها في معادلة واحدة وهي تنشيط الإنتاج وتركيز الإنفاق على المشاريع الصناعية لعلها تُخفف من فاتورة المستوردات، وهذه المعادلة طُرحت للحل منذ أكثر من عام، وكان المأمول منها انخفاض سعر الصرف وتالياً انخفاض الأسعار، لأن عودة الإنتاج والتصدير يعني جذب واردات بالقطع الأجنبي ما يُخفض الطلب عليه لغايات الاستيراد، وعندها ستُشل قدرة المتحكمين بسعر الصرف في السوق الموازية وسينفرد المصرف المركزي بقرار تحديد السعر، ومن يُعلق الآمال على تحسن الوضع المعيشي للمواطن بغير هذا الطريق، لن ينال سوى الخيبات، وحتى لا ننسى عاملاً مهماً أيضاً وهو عودة الإنتاج النفطي إلى سابق معدلاته قبل 9 سنوات وتصدير الخام الفائض عن الحاجة المحلية.
وقد يَعد البعض هذه الرؤية الاقتصادية مأسوية، ولكنها الحقيقة بعين ذاتها، ومن يتبع توقعات العالمين بالتحليل الاقتصادي، كمن يتعلق بحبال الوهم، لسبب بسيط جداً وهو أن المواطن بات يعتمد بشكل كلي على الإنفاق الحكومي مقابل شبه شلل في إنتاجية القطاع الخاص، ولا ننسى فاتورة الدعم الحكومي على موارد الطاقة وبعض الصناعات الغذائية، كصناعة الرغيف والدقيق التمويني وغيرها.
وفي محصلة ما ذكرناه، يمكننا القول إن نسبة الإنفاق الحكومي على أداء محركات الاقتصاد الوطني فاقت بكثير نسبة الناتج المحلي المفترض أن يساهم فيها القطاع الخاص بنسبة كبيرة، وكذلك الاعتماد على الإنفاق الحكومي ساهم في ظهور كيانات خاصة مشلولة القدرة على الإنتاج همها الوحيد تحقيق المكاسب من المناقصات التي تُعلن عنها المؤسسات العامة وعدم توظيف أرباحها في قطاعات إنتاجية وربما تحويلها إلى قطع أجنبي وتهريبها إلى خارج الحدود، الأمر الذي يضعنا أمام هدف إعادة بناء سياساتنا الاقتصادية وتوجيه الإنفاق نحو الإنتاج وإعادة تشغيل المنشآت العامة وتخصيصها بالحصة الأكبر من الدعم.