توجهات ونيّات رسمية كلها تصب في خانة دعم الإنتاج الوطني، عبر إحياء الشركات والإدارات الإنتاجية والاقتصادية، وصولاً إلى تحقيق نهضة تنموية من جديد، وهذا الخيار ما تعمل عليه الحكومة عبر أجهزتها، وما الإجراءات والقرارات التي تخرج للعلن بين الحين والآخر إلا دليل على القناعة الأكيدة بأن الاقتصاد ونموه وتائر انتعاشه لن يحصلا ما لم يتم الاهتمام بالعديد من الحلقات والالتفات وبشكل واسع إلى القطاع الخاص، من نافذة التشاركية في هذه الالتفاتة المنفعة للطرفين، وتالياً انعكاس تنموي واقتصادي ومن ثم اجتماعي بآثاره المتشعبة..
واليوم لم يعد خافياً على أي متابع، وحتى المواطن البسيط، أن جلّ القطاعات الإنتاجية والاقتصادية تعاني تدني الإنتاجية وحتى التسويقية، نتيجة عدة أسباب، ليست الحرب وما تركته من آثار سيئة فقط، إنما لعدم الكفاءة في استخدام المدخلات من جهة، وضياع الفرص الوظيفية والاستثمارية نتيجة التستر والتوظيف الوهمي من جانب آخر، كل ذلك جعل النمو الاقتصادي وعوامل التنمية تتأثر وتنحو منحى ليس باتجاه التطور، رغم صدمات الإنعاش له عبر سنوات وفترات مضت، فبقي محصوراً يبحث عن هوية، وطريق يلتمس منه طوق نجاة، وإلى الآن لاتزال الصورة ضبابية، وكل مفردات النمو تحبو وسنوات ذلك طالت كثيراً..!
وهنا السؤال: كيف يمكن أن نغير هذا الوضع؟! أم إنه قدرنا الذي علينا ملازمته للأبد، فهل سيبقى التقصير معلقاً على شماعة ذرائع لم تعد مستساغة.. في وقت فيه بنود الصرفيات عامرة بالمليارات على مشاريع استثمارية وتنموية كبرى..؟!
ألم يعد لدينا من خيارات وطرائق تخفف وطأة الاقتصاد «المرتجف»، وهل ليس بالإمكان السعي للتغيير لإصلاح الخلل الهيكلي في الأنموذج الاقتصادي؟ صحيح أن لدينا مقومات وشركات وقوانين وإجراءات ضخمة، ويملك الاقتصاد ميزات نسبية قد تكون مهمة ومحفزة، لكن لدينا أيضاً على النقيض مكامن شح وعثرات وصعوبات، فهل سنبقى كثيراً في دائرة ندب الحظوظ..؟
بصراحة.. ماذا نحتاج لكي يخرج اقتصادنا المحلي من اقتصاد بريعية نمو منخفضة إلى أنموذج اقتصادي عالٍ أو مقبول الإنتاجية..؟ لا خيار سوى تنويع حلقات الموارد الإنتاجية وتفعيل الأنشطة الاستثمارية والاقتصادية، تنويع أساسه الإنتاج سواء كان زراعة أو صناعة أو تجارة أو أنشطة فردية، والدخول في تشاركات وأحلاف مع الخاص، أو مع شركات أخرى وفق محددات تضمن الحقوق للجميع، وفتح المجال أكثر لإعطاء ميزات تشجيعية لعودة حركة الاستثمار من جديد.