لا يسع مواطننا إلا أن يقدر عالياً مساعي المعنيين بشؤون حماية المستهلك لضبط الأسعار ومنع ارتفاعها في هذا الشهر الكريم، كما لا يسعه إلا أن يقدم أيضاً شهادة تقدير وامتياز «سوبر دبل» لمواقف بعض تجارنا «الماكرين» على تنفيذ وعودهم لأول مرة في تاريخ التجارة السورية.
وعلى أي حال، لم يعد المواطن مهتماً بهذه السيرة «سيرة خفض الأسعار» لأنها أصبحت مملة ومستهلكة ولا جدوى منها، ولكن بعض المواطنين استوقفهم ما سمعوه مؤخراً عن اجتماع «عملاق» قطع فيه التجار على أنفسهم وعوداً بألا يرفعوا أسعارهم خلال شهر رمضان، وهي فرصة في رأيهم للتكفير عن ذنوب الجشع والطمع التي ارتكبها بعضهم بحق إخوتهم من المواطنين البسطاء، وبالفعل تسابقت شركات تُعنى باستيراد المواد الغذائية لرفع الصوت وإعلام الوزارة المعنية والمواطنين بأنهم رجالٌ «على قد وعودهم»، وكما تعلمون: «التجارة أدب وليست لقب» وقيل إن كلمة التاجر رجولة.. «والرجولة مواقف وليست شعر واقف – أي وُضع عليه الجيل والواكس لجعله واقفاً مثل أشواك القنفذ».
وللأسف، يا ليت ذلك الوعد كان «مزحة» حينها لما تعلق المواطنون بحبال الأمل، أما أن يُكلف ذلك الوعد أصحابه 25 ليرة وهو مقدار التخفيض على سعر كيلو الرز الذي تسابق أصحاب الوعود والعهود إلى قطعه على أنفسهم وإبلاغنا به فهو أدب مبالغ فيه لا محالة..!
وفي النتيجة ارتفعت الأسعار وضاقت الوعود بأصحابها، ويقول لك المعنيون بحماية المستهلك: إننا نظمنا ضبوطاً بحق رافعي الأسعار، وأحلنا تجاراً إلى القضاء وهم الآن خلف القضبان، وهنا «يرجى الانتباه إلى كلمة تجار»، ومن هذا الكلام المعسول الكثير، لتكتشف لاحقاً أن هؤلاء ليسوا تجاراً لأن التاجر كلمة لها وقعها الخاص وترتجف لها الأسماع، بل هؤلاء أصحاب بقاليات في مناطق شعبية وأكشاك وبسطات، وبائعو مفرق.
يُقال لو كانت التجارة برفع الصوت لكان العصفور سيد التجار، وبإمكانكم استبدال العصفور بأي كائن آخر ترتؤونه مناسباً، ويُقال أيضاً إن التجارة ليست بالعضلات وإنما بالتصرفات.. ودمتم.