‏«محمود درويش والعروج إلى ما وراء المعنى».. دراسة نقدية وتحليل لشعره لغةً ‏ومعنىً

تشرين – أحمد محمود الباشا ‏:
نقف اليوم مع شاعرة وأديبة وناقدة، قدمت أعمالاً كثيرة في الشعر والقصة والنقد، ‏وشاركت في العديد من الملتقيات والمنتديات، وصدر لها عدد من الدواوين الشعرية ‏والقصص والروايات والدراسات النقدية، إنها الشاعرة والأديبة د. بهيجة مصري ‏إدلبي الحائزة على إجازة في اللغة العربية ودبلوم بالتربية وعلم النفس، ودكتوراه في ‏فلسفة الإدارة، وعضو ذهبي باتحاد الإعلاميين العرب، واتحاد الكتاب العرب، واتحاد ‏كتاب الإنترنت، ونادي التمثيل العربي في سورية، وجمعية العاديات بحلب، ونادي ‏شباب العروبة للآداب والفنون. إنها ابنة حلب الشهباء التي نالت العديد من الجوائز ‏منها: جائزة الألوكة للرواية ٢٠١١، وعكاظ للشعر ١٩٩٨، والصدى للرواية ‏العربية٢٠٠١.‏
ومن بين أعمالها ومؤلفاتها النقدية ودراساتها التحليلية كتاب «محمود درويش ‏والعروج إلى ما وراء المعنى» قدمت لنا فيه دراسة أدبية نقدية عن هذا الشاعر الكبير، ‏مبينة فيها أسلوبه ونزعته الشعرية، وما تناوله في شعره من موضوعات.‏
وقالت في مقدمة الكتاب: إنّ اختبار تجربة الشاعر محمود درويش عبر تحولاتها، لا ‏يستوي إلّا عبر اللغة في وظائفها المختلفة، وهذا يتجلى بانتباه الشاعر إلى وظيفة الفن ‏ووظيفة الشعر في مرحلة حاسمة من مسار تجربته الشعرية.‏
ونقتطف بشكل موجز بعضاً منها، ونبدأ بشخص الشاعر، حيث ذكرت الكاتبة تعمق ‏البحث في لغة الشاعر «أنا لغتي.. أنا ما قالت الكلمات».‏
إنّ الأسئلة هي التي تجعل من الذات أكثر انفتاحاً على القصيدة، ومن القصيدة أكثر ‏جدلاً مع الذات:‏
أنا حلمي كلما ضاقت الأرض وسعتها ‏
بجناح سنونة واتسعت أنا حلمي
في الزحام امتلأت بمرآة نفسي وأسئلتي
أما في شخص القصيدة فقالت: إنه تنبه الدرس النقدي في تجربة محمود درويش الذي ‏تصاعد على سلم التطور والعمق والفهم.‏
وهذا ما لاحظه النقّاد وأشار إليه درويش، وهذا الأمر هو في حمل بعض الإيقاعات ‏الشعرية على مستوى بناء الخطاب الشعري أو على مستوى الإيقاع الذاتي، وسحبها ‏من تجربة ما قبل الجدارية، وتجربة الجدارية وما بعدها.‏
فالشاعر كان في حالة رهان على الصوت الغاضب، على أن يكون صوت الناس، ‏والناطق الرسمي بأحلامهم وآلامهم وغضبهم: ‏
غضب يدي
غضب فمي
ورماد أوردتي عصير من غضب
يا قارئاً لا ترج مني الهمس
لا ترج الطرب
خذوا حذراً
من البرق الذي حكته أغنيتي مع الصوان
وأردفت قائلة: الشاعر كان بين مرحلة وأخرى يحاول البحث عن صوته الخاص، عن ‏قصيدته: ‏
لا بدّ للشاعر من نخب جديد
وأناشيد جديدة
لابدّ لي كي أرفض الموت ‏
وإن كانت أساطيري تموت
إنني أبحث في الأنقاض عن ضوء وعن شعر جديد
فالمعنى الذي يبحث عنه درويش قبل الجدارية محكوم بالزمن الذاتي، أما المعنى الذي ‏يعرج إليه في الجدارية فهو خارج سلطة الزمن، لأنه متصل بالأبدية، والأبدية متصلة ‏بالزمن المطلق.‏
أما في الجدارية فكان أكثر انتباهاً للمسألة الوجودية، ويقول عن ذلك: «في قصيدة ‏جدارية كنت أكثر انتباهاً، أولاً للمسألة الوجودية، وليس للمسألة الشعرية، وكنت أعتقد ‏بأنني أكتب وصيتي».‏
‏«المعراج إلى المعنى»:‏
وتضيف الكاتبه إدلبي، إنّ معراج محمود درويش كان معراجاً حقيقياً، معراجاً مادياً، ‏سافر خلاله إلى معناه، وحقيقته خارج النص الحياتي، وهو الذي يضع الشاعر في ‏مواجهة السؤال عن الكيان الذاتي، وهو الدليل الذي يدل الشاعر على خصوصية ذلك ‏العالم، ودليل على خصوصية المرأة في صعود الشاعر إلى معناه:‏
هذا هو اسمك
قالت امرأة:‏
وغابت في الممر اللولبي
يا اسمي أين نحن الآن؟ ‏
قل ما الآن، ما الغد؟ ‏
وما القديم، وما الجديد؟ ‏
واسمي، إن اخطأت لفظ اسمي
بخمسة أحرف أفقية التكوين لي: ‏
ميم/ المتيم والميتم والمتمم ما مضى
حاء/ الحديقة والحبيبة، حيرتان وحسرتان
ميم/ المغامر والمعد المستعد لموته
واو/ الوداع، الوردة الوسطى
ولاء للولادة أينما وجدت، ووعد الوالدين
دال/ الدليل، الدرب، دمعة
دارة درست، ودوري يدللني ويدميني/ ‏
وهذا الاسم لي.. ولأصدقائي أينما كانوا
وإن تفصيل المعاني الاحتمالية التي يحددها الشاعر، تكشف عن الرؤى التي يكتنزها ‏الاسم، والتي تؤول الاسم الشعري للشاعر: ‏
واسمي- ‏
وإن أخطأت لفظ اسمي على التابوت- ‏
لي.‏
أما أنا- وقد امتلأت
بكل أسباب الرحيل- ‏
فلست لي.‏
أنا لست لي
أنا لست لي
إذا كان المعنى يتجدد كلما طال الطريق، فإن الوصول إلى المعنى لا يعني نهاية ‏الرحلة، وإنما يعني بداية سفر آخر، داخل هذا السفر الذي يستدعيه المعنى ذاته: ‏
وإن كان لا بدّ من سفر ‏
فليكن باطنياً لئلا يؤدي إلى هدف
وأما الرحيل فليس سوى شغف ‏
مرهف بالوصول إلى حلم قد من حجر
من هنا كانت الجدارية اختباراً على خمسة مستويات هي: ‏
مستوى التشكيل المعرفي والفلسفي وعلاقة الفلسفي بالشعري، ومستوى التشكيل ‏اللغوي، ومستوى البحث عن الوجود، ومستوى التشكيل الجمالي، ومستوى تحديد ‏ملامح الصوت الشعري.‏

وتختم الكاتبة رؤيتها عن الشاعر بالقول: أما ما بعد الجدارية فنجد أن درويش عاش ‏حالة حنين واستدعاء لحالة العروج، التي عاشها وحالة الصعود إلى المعنى، عبر ‏تجربة الموت الحقيقية، فكان لديه رغبة في عودة تلك التجربة، ولهذا نراه يتحول ‏بالقصيدة إلى اختبار تجربة أخرى، وهي تجربة البحث عن طريق، البحث عما وراء ‏الكلمات، ما وراء المعاني، وما وراء الوجود.‏
الحقيقة أنّ هذا الكتاب للدكتورة بهيجة مصري إدلبي بذلت به جهداً كبيراً يستحق ‏الحديث عنه والوقوف عنده مطولاً ويحتاج إلى عدة حلقات وموضوعات لنعطيه حقه ‏من الطرح والشرح والتفصيل كما جاء في الكتاب.‏

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار