الرئيس الأسد في موسكو.. انتصار على جبهة الإعلام

تشرين- د. عماد خالد الحطبة:

منذ العقد الأخير للألفية الماضية ظهر دور الإعلام جلياً في نقل الأحداث بشكل حي في البداية، ثم في صناعتها لاحقاً، وقد كانت محطة «CNN» الأميركية صاحبة الريادة في هذا المجال.

تأسست المحطة الإخبارية الأميركية «CNN» في عام 1980 لتكون أول محطة تلفزيونية في العالم تقدم تغطية إخبارية حيّة على مدى الـ24 ساعة.

لقد رأى الجميع في القناة الجديدة تجسيداً لمدى التقدم في تقنية الاتصالات، وهو العصر الذي سُمي عصر ثورة الاتصالات تشبيهاً له بعصر الثورة الصناعية واستعارة للدور التاريخي لتلك الثورة، لكن الدور الحقيقي لـ «CNN» لن يظهر حتى عام 1991 عندما كانت القناة الوحيدة التي غطت حرب الخليج الثانية من داخل بغداد، بل إن مراسليها بيرني شو وبيتر أرنت كانا أول من أعلن بدء العمليات العسكرية الأميركية ضد العراق في 16/1/1991، لقد وصل عدد مشاهدي الـ «CNN» خلال تلك الحرب إلى أكثر من مليار مشاهد، سوف تظهر الـ «CNN» بعد ذلك في البوسنة وفي مقديشو في الصومال، وستعمل على صناعة الحدث من خلال الصورة ما دفع الباحثين في علوم السياسة إلى تأسيس نظرية تجمع بين السياسة والإعلام هي تأثير الـ«CNN»، في عام 1997 قدم ستيفن ليفنغستون ورقة بحثية في جامعة واشنطن بعنوان “توضيح تأثير الـ«CNN» دراسة في تأثير الإعلام في السياسة حسب نوع التدخل العسكري”

في مرحلة تالية ظهرت قناة الجزيرة في قطر لتلعب الدور نفسه في الحرب الغاشمة واحتلال العراق عام 2003، لتعود القناة نفسها وتكون المتعهد الحصري لما سمي «الربيع العربي» وكان دورها في صناعة الكثير من الأحداث بارزاً إلى درجة عدّها الكثير من المراقبين شريكاً مباشراً في المعركة، في كل هذه المراحل كانت سهام النقد توجه إلى الإعلام الوطني متهمة إياه بالتقصير، وهو ما أجاب عنه الرئيس الأسد في مرحلة باكرة من الأزمة بقوله إن إعلامنا إعلام دولة وهو غير قادر على مجاراة الملايين التي تدفع لتزوير الحقيقة.

منذ ذلك الحين وحتى اليوم، استطاع صوت الصمود والمقاومة اختراق الحصار المفروض عليه، وبتضحيات الجيش والشعب السوري، وبصمود القيادة السياسية والعسكرية، وجدت الرواية الوطنية من يحملها إلى العالم عبر قنوات أجنبية من عدة دول في العالم، وقد تجلى هذا الاختراق في اللقاءات العديدة التي أجراها الرئيس بشار الأسد خلال زيارته الأخيرة إلى موسكو، والتي كانت على أكبر القنوات الروسية ومع أهم الصحفيين الروس.

بتضحيات الجيش والقيادة السياسية والعسكرية وجدت الرواية الوطنية

السورية من يحملها إلى العالم عبر قنوات أجنبية من عدة دول في العالم

ركزت لقاءات الرئيس الأسد على ثلاثة محاور: التعاون الاقتصادي بين روسيا وسورية، الموقف السوري من جهود حل الأزمة في سورية وبشكل خاص العلاقة مع تركيا، موقف سورية من الأحداث العالمية على ضوء التغيرات التي أحدثتها المواجهة بين روسيا و«ناتو» في أوكرانيا.

في مجال التعاون الاقتصادي أكدّ الرئيس الأسد أن العمل بين الطرفين يتناول التخطيط لتنفيذ 40 مشروعاً استثمارياً، وأن المحادثات تشمل وضع آليات على الأرض تضمن تنفيذ هذه المشاريع التي استغرق التخطيط لها عدة سنوات، كما أوضح سيادته أن هذه المشاريع تشمل قطاع الطاقة أي النفط والكهرباء، وفي قطاعات النقل والإسكان والصناعة، تمثل هذه الاتفاقيات مفصلاً جديداً في العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وتطوراً سيدفع العمل المشترك بينهما نحو الأمام، وأكد سيادته على الدور المهم والحيوي الذي لعبته روسيا بعد الزلزال المدمر الذي ضرب سورية، سواء في مجال الإنقاذ أو الإغاثة، وأن التعاون اليوم لا بدّ أن يشمل إيواء المتضررين وإيجاد مساكن بديلة لهم، أما في مجال التعاون العسكري فقد أكد سيادته أن هذا التعاون مستمر ولم ينقطع في أي مرحلة من المراحل، لكنه ليس مادة للإعلام.

في مجال الجهود لتسوية الأزمة، أكد سيادته أن الموقف السوري مبني على الثوابت الوطنية وأولها انسحاب جميع القوات الأجنبية من سورية، تلعب تركيا دوراً مهماً في الأزمة، لذلك فهي المطالبة بالتوقف عن التدخل في الشأن الداخلي السوري، لا شيء لدى سورية لتقدمه لتركيا أو لغيرها، فهي لم تعتدِ على أحد، ولا تتدخل في الشؤون الداخلية لأي من الدول، سورية تقدر جهود الحلفاء والأصدقاء، والقيادة لا تتعامل مع الأمر بشكل شخصي أو انتقامي، في حال قررت تركيا التراجع عن دورها التخريبي في سورية والانسحاب من الأراضي السورية، فإن اللقاءات بين الجانبين يمكن أن تحدث على المستويات السياسية الضرورية.

في الجانب العربي، أكد الرئيس أن موضوع العودة إلى الجامعة العربية يتعلق بالجامعة العربية نفسها، وبالدول العربية التي قطعت علاقاتها مع سورية، العودة إلى الجامعة العربية ليست القضية، المهم هو العمل العربي المشترك، سورية لم تقطع عبر تاريخها علاقاتها مع أي دولة عربية، ويدها ممدودة لكل الأشقاء العرب.

على الصعيد العالمي، كان اللقاء الأول بين الرئيسين الأسد وبوتين منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وكان لا بدّ من التداول والتباحث في العالم الجديد الآخذ في التشكل، وخاصة بعد وباء كورونا، أكد الرئيس الأسد أن سورية وروسيا تعملان معاً من أجل أن يكون في العالم الجديد مكان للجميع على قدم المساواة، بعيداً عن الهيمنة والاستغلال والعدوان، وأبدى سيادته سعادته بالاتفاق بين السعودية وإيران وعدّه خبراً سارّاً في سياق إنهاء الهيمنة الغربية على العالم، أكد سيادته على الموقف السوري المتطابق تماماً مع الموقف الروسي بشأن ما حدث ويحدث في أوكرانيا، وأن سورية تعترف بالحدود الجديدة للاتحاد الروسي، لأن هذه الحدود كانت خياراً شعبياً لسكان إقليم الدونباس.

كانت لقاءات الرئيس الأسد نجاحاً جديداً للدبلوماسية والجهود الإعلامية السورية في نقل حقيقة الموقف السوري العقلاني والوطني مما يحدث في سورية والعالم، وكذلك كشف كذب وزيف الادعاءات الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، هذا النجاح سينعكس إيجاباً على الجهود التي تبذلها سورية في المجالات الاقتصادية والسياسية وبشكل خاص في مجال إعادة الإعمار.

كاتب من الأردن

أقرأ أيضاً:

ملف «تشرين».. توثيق ملامح حقبة انتعاش جديدة.. الإطلالات الإعلامية للرئيس الأسد تعزز معادلة «تطويع الاقتصاد للسياسة» والحصيلة خدمة السلام والتنمية

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار