«كريدي سويس» بعد «سيليكون فالي».. كيف تأثرت المصارف العربية؟

تشرين- د. رحيم هادي الشمخي:

عندما بدأ شبح الإفلاس يُخيّم على بنك «كريدي سويس» الأوروبي- السويسري.. كانت البداية من أن أزمة البنك بدأت بعد إعلان أكبر مستثمر فيه «البنك الأهلي السعودي» أنه غير قادر على تقديم مساعدة مالية إضافية للبنك لـ«تداعيات تنظيمية» ما قاد إلى انهيار أسهم البنك.. جاء ذلك بعد أيام قليلة جداً من إعلان افلاس بنك سيليكون فالي الأميركي في الـ 10 آذار الجاري، وفي توضيحه للمسألة قال حينها رئيس البنك الأهلي السعودي عمار الخضيري إنه لن يتسنى إعطاء كريدي سويس مزيداً من السيولة تتجاوز الـ10 بالمئة لأن القواعد التنظيمية لا تسمح بتجاوزها، هذا التصريح أعقبه تصريح للبنك السويسري يتحدث فيه عن «أوجه قصور كبيرة» في إجراءات إعداد التقارير المالية الخاصة به للعامين الماضيين 2021 و2022 ما يشير إلى شبهات فساد كبير، ولاسيما أن البنك تحدث عن أن «إجراءات الرقابة والإفصاح لم تكن ناجحة».

وفيما يستمر مسار القلق والمخاوف فصولاً جديدة، وعطفاً على تصريحات عمار الخضيري، فإنّ دائرة الضوء اتسعت لتشمل المصارف العربية، وما هو شكل وحجم التأثر الذي يمكن أن يلحق بها، في حال اندلعت بالفعل أزمة مالية جديدة، وهل هي مُحصنة، وكيف يمكن أن تنعكس الأزمة الاقتصادية بصورة سياسية على أنظمة دول عربية محددة؟.. إذ إن الجميع يعلم أن السعودية على سبيل المثال كان لها دور رئيس في تجاوز أزمة عام 2008 بعد انهيار بنك ليمان برذرز للرهون العقارية في الولايات المتحدة الأميركية؟

فعلياً فإنّ مجمل القلق والترقب يتركز على المصارف الأميركية والأوروبية، فيما ستكون المصارف العربية – حسب الخبراء الاقتصاديين- الأقل تضرراً، ولكن بصورة متفاوتة فيما بينها، لماذا؟

أولاً، إذا ما أخذنا بالحسبان أن بنك سيليكون فالي هو بنك متخصص بتمويل مشاريع التكنولوجيا، وبالتالي فإن عملاءه هم من هذا القطاع، فإنّ تأثر المصارف العربية يكاد لا يُذكر، لأن البنى التحتية في الدول العربية ليست متوافقة مع الكثير من متطلبات الشركات في القطاع التكنولوجي، لذلك لم يكن هناك نشاط رائج أو شركات كبرى في القطاع التكنولوجي، وحتى شركات التكنولوجيا العالمية لم تقم بتعزيز شركات التعبئة في الدول العربية عن طريق نقل التكنولوجيا إليها بل أبقتها لديها.. وبالتالي فإنّ الخدمة التي تقدمها هذه الشركات «أي شركات التكنولوجيا العربية» تنحصر فقط في نوعية الخدمات التي تريد الشركات الأم نشرها.. يُضاف إلى هذا أن الشركات الأصلية الموجودة في المنطقة العربية ليست بالمنظومات الضخمة التي تقاس بحجم التمويل والنشاط الموجودين في كل من الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا.

البنوك العربية هي الأقل تأثراً وبما لا يُذكر فهي بالمجمل بنوك محلية بسياسات حذرة جداً وبـ«إدارة تحوّط» عالية استباقاً وتحسباً لأي أزمات مالية عالمية

ثانياً، صحيح أن أزمة سيليكون فالي وشبح الأزمة المصرفية الذي يخيم على الأجواء، لا بدّ أن يدفع المصارف العربية باتجاه مزيد من التحوط والتحصين استباقاً وتحسباً، إلّا أن هذا الاتجاه ليس أبداً بالمستوى الذي هو عليه في المصارف الأميركية والأوروبية، معظم المصارف العربية التي لديها ارتباطات تكنولوجية، أو بعبارة أدق لديها ارتباطات بشكل أو بآخر مع سيليكون فالي، أفصحت عن «انكشافات ضئيلة» خصوصاً في منطقة الخليج العربي، وهذا يتأتى من سياسات مالية أكثر انضباطاً، ومن مودعين أقل قلقاً، وأكثر ثقة بالسياسات المالية، على عكس المودعين الأميركيين الذين دبَّ الرعب في أوساطهم خلال ساعات قليلة، وقيامهم بسحب إيداعاتهم والدفع ببنك سيليكون فالي للإفلاس.

ثالثاً، معظم البنوك في المنطقة العربية هي بنوك محلية، وهو ما يُفسر ضعف تأثرها بإفلاس سيليكون فالي أو بتداعيات أزمة بنك كريدي سويس، مع ذلك فإنّ فريقاً من الخبراء الاقتصاديين، ومنهم خبراء عرب، يعتقدون أنه لا بدّ أن تتأثر المصارف العربية في المرحلة المقبلة بصورة أكبر، ولكن بدرجات متفاوتة، إذ إن المصارف العربية لم تكشف بشكل كامل بعد ما إذا كان لديها أي ودائع أو استثمارات في البنوك الأميركية التي أعلنت إفلاسها «وهي سيليكون فالي، سيلفر جيت، وسيغنتشر» وقد يتضح حجم التأثر ومستواه في الأيام المقبلة خصوصاً في الدول العربية المرتبطة بشكل أكبر بالاقتصادين الأميركي والأوروبي مثل السعودية وقطر والكويت والأردن، وكان البنكان المركزيان في كل من مصر والعراق أعلنا أنه ليس لديهما «ودائع أو توظيفات أو معاملات مالية» مع بنك سيليكون فالي الأميركي.

رابعاً، الخبراء الاقتصاديون يتحدثون عما يسمونه «متانة وقوة المراكز والملاءة المالية للبنوك العربية» ويوضحون أن بنوك الدول العربية عادة ما تتبع سياسات حذرة وحكيمة لإدارة المخاطر والتحوط ضد هذا النوع من المخاطر، أي إفلاس البنوك، وذلك بشكل رئيس عن طريق المخصصات المالية الكافية، ويرى هؤلاء أنّ البنوك المركزية في الدول العربية تدير القطاع المصرفي بشكل جيد يجنبها المخاطر المالية، لأن لديها منظومة رقابية متكاملة وحزمة من الضوابط والتعليمات بما يصبّ في تعزيز مؤشرات السلامة المالية والمعايير الأساسية المتعلقة بكفاية رأس المال، والسيولة، وجودة الأصول، والربحية.

رغم ما سبق هناك فريق من الخبراء يحذّر من أن البنوك العربية لن تكون بمنأى عن التداعيات إذا ما وصل بنك كريدي سويس إلى الإفلاس، لأن هذا الإفلاس على الأكيد سيفتح الباب أمام سلسلة إفلاسات لبنوك أميركية وأوروبية جديدة، ما سيفتح أبواب الأزمة على مصراعيها وعلى الجميع.. ويذكرون أن هذه الأزمة ستكون مختلفة عن أزمة 2008 حيث استطاعت بنوك المنطقة العربية أن تكون بمنأى عنها.. لقد تغيرت الظروف السياسية في الولايات المتحدة الأميركية والعالم، وكذلك في منطقتنا.. نتائج «الربيع العربي» المشؤوم، ما زالت ترسم خريطة سياسية اقتصادية جديدة للعالم، وهي خريطة لمّا تنتهي بعد، ولأنها كذلك فإنّ كل أزمة مالية أو سياسية في الدول الكبرى، وخصوصاً في الولايات المتحدة الأميركية لا بدّ أن تنعكس على كلِّ العالم.

كاتب من العراق

أقرأ أيضاً:

أزمة مالية جديدة أم زوبعة في فنجان؟

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار