حضور الشخصيات السورية المعاصرة في الدراما والسينما

سامر الشغري:

ظلَّ ظهور الشخصيات التاريخية السورية المعاصرة في الدراما والسينما في سورية قليلاً، فليس لدينا كالمصريين أعمال وثقت مسيرة زعماء وقادة كجمال عبد الناصر وأنور السادات والملك فاروق وغيرهم.

ولقد فاجأني أن هناك شركة إنتاج مصرية ضخمة اسمها /سينرجي فيلم/ تابعة لجهاز المخابرات العامة في مصر، تحولت في السنوات الأخيرة إلى أضخم مؤسسة إنتاج درامية وسينمائية حتى كادت تطغى على بقية الشركات، أخذت على عاتقها إنتاج أعمال، أبطالُها أشخاص حقيقيون.. هذه الشركة انتجت لموسم شهر رمضان السابق مسلسل (الاختيار3)، ويتناول الصراع بين حركة الإخوان المسلمين والجيش المصري، مجسداً شخصيات حقيقية من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى رئيس المخابرات المصرية اللواء عباس كامل وقادة بعض الإخوان..

إن تناول شخصيات معاصرة في الفن مغامرة لها مفاعيلها، فما بالكم لو كانت هذه الشخصيات حية وفاعلة في المشهد السياسي، لأن عرض حياة شخصية عامة بصورة فنية على الشاشة، سيجعل المشاهدين يقارنون بين الحقيقي وبين الفني وهنا يجب أن تكون درجة التطابق أعلى لأن المقارنة ستصبح أسهل..

أما عندنا فكان اهتمام صناع الدراما منصباً على شخصيات متخيلة أشبه بالكاركترات، كلما أرادوا الحديث عن تاريخ سورية المعاصر، زمن الاحتلال الفرنسي أو حقبة الانقلابات والستينيات وغيرها.

وعبر ما يسمى دراما البيئة الشامية نلاحظ ابتعاداً غريباً عن تقديم أي شخصية من لحم ودم، وإذا استثنينا مسلسل (حرائر) للمؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني وإخراج باسل الخطيب الذي قدم شخصيات نسائية كان لها حضورها من نازك العابد وماري عجمي، فإن الأعمال الشامية عرضت لبائع الفول وللحلاق وصاحب المقهى وتاجر الغنم وعامل الحمام، وتغافلت تماماً عن أي شخصية حقيقية كانت موجودة في تلك الحقبة.. مع ذلك هناك أعمال رسخت في ذاكرتي أدى فيها ممثلون سوريون باقتدار شخصيات تاريخية، وهي الشيخ عز الدين القسام الذي لعب دوره أسعد فضة، والرئيس الأسبق شكري القوتلي لرفيق سبيعي في فيلم الليل، وعبد الرحمن الشهبندر لبسام لطفي في أخوة التراب، وشوكت شقير لأكرم حلبي في حمام القيشاني وعبد الحميد السراج لعوض القدرو في مسلسل شارع شيكاغو.

ولكن هذه الشخصيات التاريخية لم تكن أبطال العمل، باستثناء مسلسلي عز الدين القسام وحارس القدس هيلاريون كبوجي، وظلت هذه الشخصيات في بقية الأعمال تلعب دوراً مكملاً للشخصية البطلة والمتخيلة..

إن ما يحزّ بالنفس أن أسماء مثل يوسف العظمة وإبراهيم هنانو وسلطان باشا الأطرش وصالح العلي وحسن الخراط وفوزي القاوقجي وفارس الخوري وسعد الله الجابري وفوزي الغزي، غائبة أو شبه غائبة عن شاشاتنا وأعمالها التي تكرس نفسها لشخصيات مثل (الأميمي) الرجل الذي يضع الحطب في مجمر الحمام، وأن عملاً مثل (طالع الفضة) الذي يورد صانعوه في التعريف له أنه يحكي عن أناس حقيقيين وقصة واقعية، يخصص لشخصية بحجم عبد الرحمن الشهبندر خمسة عشر مشهداً فيما البطولة للسكافي اليهودي طوطح، وهو شخصية متخيلة وغير حقيقية.

من بين الشخصيات التاريخية القليلة التي قدمتها الدراما السورية، أجد أن الأصعب من بينها الدور الذي لعبه الفنان القدير أسامة الروماني في حمام القيشاني الجزأين ( 2 و 3 ) للعقيد أديب الشيشكلي، لأن الروماني تقمص هنا على صعيد الشكل والمضمون وبكثير من البراعة إحدى أكثر الشخصيات السورية إشكالية وإثارة للجدل في العصر الحديث.. إن الطريقة التي سار عليها الروماني في تجسيد هذا الدور بطريقة واقعية بعيدة عن التفخيم والتبجيل ومن دون تكلف أو تعقيد، خليقة بأن تدفع المنتجين والمخرجين لاستحضار المزيد من صناع التاريخ السوري المعاصر، واعتقد بأن الكثيرين منهم يستحقون أن نستعيد سيرتهم درامياً وسينمائياً، وهي أعمال ناجحة بلا شك.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار