أشُغِلْنا حتى يسيطروا!
نغضب وتحمر وجوهنا لأسباب صغيرة، ونختصر الحياة في موقف أو رأي لا نحتمل أن يوجه فيه اللوم لنا، بينما على النصف الآخر من الكرة الأرضية نجد أناساً تجاوزوا أنفسهم بمئات السنوات الضوئية يتربعون على عرش العلم والمعرفة، ويخوضون الفتوحات والاكتشافات في عوالم جديدة تعتمد على الذكاء الاصطناعي التي باتت تشكل جيشاً من الروبوتات والتي مازلنا ننظر إليها كأنها ألعاب جديدة للأطفال لكن بأحجام أكبر، وبالطبع لا نلقي لها بالاً، بل نضحك أحياناً من هؤلاء الذين يضيعون أوقاتهم في الإبحار بالتكنولوجيا والعلوم، ونؤمن بشكل مطلق بأننا لن نلوث أيدينا وأدمغتنا بالاختراعات والاكتشافات، ويكفي أن نشتري أحدث التطبيقات لنستخدمها نحن تاركين للآخرين عناء الاكتشافات!
وفي الليل عندما ينطفئ الغرور، وتهدأ الأصوات، نسمع همسات وأصواتاً تشبه المناجاة تهيب بنا أن نفتح عيوننا، لأن الشبكة خلقت لتصطاد والفريسة تبحث عن طريدة عن حقل اختبار والأقل ذكاء والأقل وعياً والأقل حيطة سيكون فريسة سهلة للصيادين.. انتبهوا الذكاء الاصطناعي أخطر على البشرية من القنابل النووية.
اليوم وفي أبسط الدول أو أقلها “رقمنة ” يتم تداول التجارة الإلكترونية على سبيل المثال في ذروتها، وأي شخص يدخل إلى منصات وصفحات يستطيع أن يبيع ويشتري من دون حواجز أو رقابة.. ما المشكلة..؟! المشكلة في البيانات التي تجمعها محركات البحث عن المستخدمين وهي “نفط المستقبل”، كما تنظر إليها شركات التكنولوجيا العالمية، ويمكن استخدامها من دون وعي منا، وقد تستخدم في الحروب السيبرانية القادمة كما شاهدنا مؤخراً.. الأمر ليس بمزحة وحماية المعلومات الشخصية قد تزيد قليلاً عن حماية المدخرات والذهب .
صدّق أو لا تصدّق فإن المستقبل كما يبدو يتجه نحو إطلاق العنان لأشياء تستخدم الذكاء الاصطناعي بصورة مطلقة وبقدرات غير محدودة، ولا شك بأن تطوير تلك الأمور يحتاج إلى عناية فائقة حتى لا تتحول إلى خطر يهدد حياة البشر.. ونحن نستورد هذه التكنولوجيا ونزين بها بيوتنا ومكاتبنا وفي حقائبنا وجيوبنا وتحت مخداتنا ولا ندري التعامل معها إلا من خلال تعليمات الاستعمال.. وليس بمستغرب أن نعلم أن هذه التكنولوجيا تتجسس علينا وتلتقط لنا الصور وتسجل أحاديثنا، وأن في إعداداتها التي لا نفقه منها شيئاً خيارات تجعلها تقوم بأكثر من ذلك، وربما تسيطر على أدمغتنا وتستعمر بيوتنا وتهاجمنا متى تشاء أو تتعطل عند الحاجة إليها.. هذه التكنولوجيا تهدف أخيراً إلى استعبادنا والسيطرة علينا، وهذا ليس فيلماً للتخيل أو افتراء على خلق الله، لكنه تحذير تطلقه الشركات التي تعمل بالتطوير الذاتي للذكاء الاصطناعي والتي تخشى من أن تفقد السيطرة على هذه التكنولوجيا التي تمتلك خاصية التطوير الذاتي.. وبعد كيف الحال لدينا ونحن سلّمنا أمرنا منذ زمن بعيد للآخرين طمعاً بودهم، وقبلنا بدور المخدوعين، لأن عقلنا مشغول بأمور كثيرة كتأمين رغيف الخبز ودفع الإيجار وشراء وردة للحبيبة، ومن يربح المليون، أو صاحب الصوت الأحلى، ومن يعطي بالاً لخطر التكنولوجيا..؟ هذه المشكلة يعتقد الكثيرون أنها تنتهي بإطفاء الجهاز وتصبحون على تطبيق جديد.