موسيقا ضخمة لحدث خالد.. باليه سبارتاكوس للموسيقي الأرمني آرام خاتشاتوريان
تشرين- إدريس مراد:
“لقد فكرت في سبارتاكوس كلوحة جدارية ضخمة، تصف الانهيار الهائل لتمرد العبيد في العصور القديمة من أجل حقوق الإنسان…. عندما قمت بتأليف مقطوعة الباليه وحاولت التقاط أجواء روما القديمة من أجل إحياء صور الماضي البعيد، لم أتوقف أبداً عن الشعور بالتقارب الروحي بين سبارتاكوس وعصرنا…”، هذا ما قاله خاتشاتوريان، واصفاً عمله الضخم منذ ما يقارب خمسة وسبعين عاماً.
يستند العمل إلى قصة حقيقية وهي انتفاضة العبيد ضد الرومان
حكاية حقيقية
يستند العمل إلى قصة حقيقية وهي انتفاضة العبيد ضد الرومان، حيث قاد سبارتاكوس آلاف العبيد توقاً للحرية والخلاص من استبداد الإمبراطورية الرومانية، تعدّ هذه الثورة من أشهر ثورات العبيد التي نشبت عام 73 قبل الميلاد في كابو، حيث جرت العادة في ذلك الوقت أن يساق إلى كابو عددٌ من العبيد ليتدربوا على ألعاب الجلاد ومصارعة الوحوش في المدارس المعروفة باسم مدارس المجالدين، وأن هؤلاء الأرقاء قد برمجوا بحياتهم التي يتربصهم بها موت مرير محتوم، وفي يوم من أيام تلك السنة، اجتمع سبعون مجالداً وهم مسلحون بسيوف وخناجر لزوم التدريب، وقام على رأسهم سبارتاكوس وكان جندياً، هرب من الجيش، فقبض عليه وأرسل إلى مدرسة المجالدين بعد تجريده من الحرية، واقتحم الثوار أبواب المدرسة والتجؤوا إلى جبل (فيزوف) القريب من المدينة، وانضم اليهم عبيد هاربون من أنحاء مختلفة حتى وصل عددهم إلى سبعين ألفاً، واستطاع سبارتاكوس، بشجاعته النادرة، أن يدحر الجيش الروماني الذي أرسل للقضاء على الثورة، وأن يسيطر على العديد من المدن، ومن ثم اتجه إلى الشمال، راغباً باجتياز جبال الألب مع رفاقه ويلتحق بقبائل الغال ليعيش معهم بحرية، رغم هذه الظروف تمكن سبارتاكوس من تهديد امبراطورية روما، فجندت روما جيشاً كبيراً بقيادة “ماركوس كراسوس” الذي بدوره تمكن من سحق الثوار، وظل سبارتاكوس يدافع ببطولة خارقة حتى كان آخر من قتل في المعركة، وانتهت هذه الثورة التي دامت ما يقارب سبع سنوات بإعدام ستة آلاف ثائر من العبيد.
استطاع سبارتاكوس، بشجاعته النادرة، أن يدحر الجيش الروماني
حالات مختلفة
تدور أحداث باليه سبارتاكوس بأمزجة مختلفة موسيقياً وحركياً، ففي الفصل الأول، تتصاعد حدة التوتر تدريجياً مع إحضار سبارتاكوس وزوجته فريجيا مع بعض من التراقيين إلى روما وبيعهم في سوق العبيد، ويتم بيع سبارتاكوس وصديقه هارموديوس كمصارعين، بينما تشتري إيجينا، فريجيا، لتشغيلها في تجارتها كبائعة هوى، وينتهي الفصل برقصة “الغاديتان”، التي تجسد قتالاً درامياً بين مجموعتين من المصارعين، لتظهر وكأنها معركة فوضوية ومجنونة، مع قرع ثقيل للطبول والآلات النحاسية، وفي النهاية ينتصر سبارتاكوس ورجاله.
تدور أحداث باليه سبارتاكوس بأمزجة مختلفة موسيقياً وحركياً
يبدأ الفصل الثاني برتم بطيء على النقيض تماماً من الأول، حيث يلتقي سبارتاكوس وزوجته فريجيا، بعد إعادتها، ويبدو عليهما الفرح والحزن في آن واحد، بمصاحبة موسيقا سلسة يتقاسمها آلات وترية كبيرة وألحان آلة الفلوت اللطيفة، وفجأة تستأنف الأحداث مرة أخرى مع ثورة المصارعين ضد الجنرال الروماني كراسوس.
تستمر الدراما خلال الفصل الثالث، وينتصر سبارتاكوس ورفاقه، ولكنه يلقى صفعة من صديقه وخيانة مريرة، ويقتل سبارتاكوس في المعركة، بنهاية نبيلة منتصرة، حيث لم يستسلم المصارعون في معركتهم من أجل الحرية، ويقاتلون حتى الرمق الأخير.
أسلوب مبهر
يجسد خاتشاتوريان كل هذه الأحداث بإبهار موسيقي وبجاذبيته اللحنية وتدفقه الإيقاعي، وبانتقاله السلس بين أجواء متعارضة، وبتلوينه الأوركسترالي الزاهي الذي يعكس رنين الآلات الموسيقية، موسيقا تنفذ لأذن المستمع وقلبه بسهولة، ويأخذ الإيقاع مساحة واسعة في موسيقاه كأبرز عناصر القوة حيث يحقق من خلاله التدفق الحيوي بالإيقاعات الأحادية المركبة والمتعارضة والسنكوب، واستخدم من الناحية الهارمونية، الثنائيات الكبيرة والصغيرة، فضلاً عن الكروماتية الكثيفة والتي تتعاون مع هذه الخصائص على إضفاء مذاق حريف واضح في كل ميزور كتبه في هذا الباليه.
يجسد خاتشاتوريان كل هذه الأحداث بإبهار موسيقي وبجاذبيته اللحنية وتدفقه الايقاعي
هوية العمل
سبارتاكوس، باليه من ثلاثة فصول للملحن السوفييتي الأرمني آرام خاتشاتوريان، كتب نصه الأديب يوري جريجوروفيتش، عن كتاب ألفه رافائيل جيوفاجنولي، وتم عرضه لأول مرة من قبل فرقة باليه كيروف في لينينغراد، عام 1956، وأعيد عرضه بشكله الأوسع لأول مرة في عام 1968 بتنفيذ من فرقة باليه بولشوي في موسكو.