جمعياتُ «الرّفقِ» بالإنسان
العالمُ بحاجةٍ اليومَ إلى منظمة أو جمعية عالمية مهمتها “الرفق بالإنسان”.. بعد أن برع بعضهم في استعراض وجدانيات الرفق بالحيوان.
وبصدقٍ.. لن يكون تأسيس أي مبادرة جريئة للرفق ببني البشر ترفاً بل ضرورة، أمام المشاهد المريرة و مجريات الانتهاك الصارخ لكل ماله صِلة بالإنسان والإنسانية، هنا في منطقة الشرق الأوسط، منذ حرب الخليج الثانية والاحتلال الأميركي للعراق، وصولاً إلى حرب الإبادة الجماعية في غزة ولبنان، ثم ترويع المدنيين في سورية بحرب إرهابية، ثم بغارات واعتداءات متواترة لم تقتصر ضحاياها على من قضوا تحت الأنقاض، بل طالت جيلاً من الأطفال الذين سكنهم الخوف والرعب وسلسلة اختلالات نفسية لعلها سترافقهم طالما هم أحياء.
لقد شغلت المجتمعات والحكومات في الغرب الأوروبي وأمريكا، العالم لعقود طويلة بهواجس الرفق بالحيوان، واتخذت المبادرات في هذا الاتجاه بُعداً استعراضياً مفرطاً، كما كان للبيئة حصتها من الهواجس المخرجة ببراعة مسرحية عالية، من مبادرات ومكاتب منتشرة للسلام الأخضر، ومجموعات بمسميات ومهام أقرب إلى الفانتازيا.. فليكن المُنتج الجديد اليوم منظمة أو مبادرة للرفق بالإنسان ولو من قبيل الاستعراض في سياق مايستعرضون، وعندها على الأقل ستبدو المسرحيات مقنعة وتحظى بجمهور عالمي للتصفيق أكثر.
لا توجد أرقام دقيقة عن أعداد ضحايا الحروب التي أدارها الغرب في إفريقيا، وكم عدد البشر – الرقيق الذين قضوا في خدمة البحث المسعور عن الكنوز في مناجم الذهب، وخدمة أعمال واستثمارات السادة المستعمرين.. لكن منذئذٍ هم من عليهم أن يفهموا أن كل المنظمات الحقوقية هي كذبة كبرى مستمرة منذ الحرب العالمية الثانية حتى اليوم.
وإن تم تداول بعض الأرقام بخصوص ضحايا الحرب على غزة.. فإن مجرد الحديث عن 41 ألفاً بينهم 12 ألف طفل، يبدو غير دقيق لأن حجم الكارثة أكبر.
ولم تجهز بعد أرقام حول أعداد الضحايا في لبنان لأن متوالية القتل مازالت صاعدة.. وربما قلّلت حالات النزوح من العدد، فلو بقي الأهالي في مناطقهم لما خرج منهم حيّ.
وإن كانت مكنات الإحصاء تقتصر على أعداد الضحايا الذين فارقوا الحياة، يبقى الأهم هو حال الضحايا الأحياء، من مقطّعي الأطراف و المشوهين، والأكثر عدداً مئات الآلاف من المأزومين نفسياً.. وهؤلاء جيل بأكمله سيكون مشلولاً ذهنياً ومنكفئاً غير خلاق وغير قادر على العيش السوي، أي سيتابع الجميع “فجوة سلامة وصحة بشرية” في مناطق الاستهداف، ومن يدري قد يكون هو المطلوب في عمق بنك الأهداف البعيدة التي تشتغل عليها مراكز تخطيط ورسم إحداثيات السيطرة.
هي مجزرة مستمرة عمرها عقود طويلة، إحدى محطاتها هنا في هذه المنطقة اليوم، و لايعلم إلا الله و راسمو مسارات الأهداف أين ستكون غداً، و قد يكون من الحكمة ألا يظن أحد في هذا الشرق أنه في منأى عن سيناريوهات الإبادة الجاهزة للتطبيق حيث يلزم.
لكن من قبيل التحوط فلتعلن بلدان “الاستقرار المؤقت” عن تأسيس جمعيات للرفق بالإنسان ولتتفوق على الأوروبيين بشيء ما على مستوى استعراض الترف المفرط.. وهذه فرصة فلا تضيعوها.