«ملف تشرين».. فكرة جيدة.. مجلس “حكماء” يقدم الاستشارات لمجلس الشعب وفق ركائز محددة
تشرين- منال صافي:
يمثل مجلس الشعب السلطة التشريعية في البلاد منذ عام 1971، بموجب الدستور.. ومن أبرز مهامه إقرار الموازنة العامة، والإشراف على تنفيذ البرامج والخطط الاجتماعية والاقتصادية والتنموية، وتصديق المعاهدات الخارجية، وله سلطة رقابية على الحكومة من خلال مساءلة الوزراء، وحجب الثقة عن أحدهم أو الحكومة برمتها.
وبالتأكيد، قدمت كلمة السيد الرئيس بشار الأسد خلال افتتاح الدور التشريعي الرابع لمجلس الشعب نهجاً كاملاً وخريطة طريق، إذا نجح المجلس في تطبيقها على أرض الواقع، فسيتمكن من القيام بمهامه للوصول إلى الأهداف المنشودة، وخاصة فيما يتعلق بالدور الرقابي والمحاسبي للمجلس، والانطلاق من السياسات والاستراتيجيات في التعامل مع السلطة التنفيذية.
استناداً إلى ذلك، هناك أسئلة مهمة قد تتبادر إلى الأذهان أبرزها: هل يملك مجلس الشعب الخبرات العلمية والكفاءات المؤهلة لتحقيق أهدافه، أم إن الاستعانة بأهل الخبرة والكفاءة ترفع من أداء المجلس وتسهم بنجاح السياسة العامة للبلاد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً؟
وما أهمية وجود مجالس استشارية في مجلس الشعب؟ وفي حال تشكيله ما صلاحياته وهيكليته ودوره؟
قد يرد البعض أن المجلس الاستشاري الذي تم تشكيله في رئاسة مجلس الوزراء لم يكن حالة مشجعة وناجحة، ولم يحدث فرقاً في رسم السياسات ووضع الخطط، فلماذا نعيد التجربة؟ وفي “البرلمانات “الدولية” من يقدم المشورة والمقترحات للنواب؟
وللإجابة عن هذه الأسئلة توجهت “تشرين” إلى الدكتور سعيد النحيلي أستاذ القانون في جامعة دمشق.
بين التنفيذية والتشريعية
يشير الدكتور النحيلي إلى أن المادة /٧٥/ من الدستور السوري لعام /٢٠١٢/ حددت اختصاصات مجلس الشعب، ومن ضمن هذه الاختصاصات مناقشة بيان الوزارة الذي لا يخرج عن كونه وثيقة تتضمن بنود السياسة العامة للدولة، التي يتولى وضعها رئيس الجمهورية في اجتماع مع مجلس الوزراء برئاسته، مبيناً أن السياسة العامة للدولة تتمثل بتجسيد المبادىء الدستورية التي وردت في مطالع الدستور، سواء كان ذلك في الشأن الاقتصادي أم السياسة المالية أو السياسة التعليمية أو السياسة الخارجية، وغيرها من السياسات، التي يفترض فيها أن تعكس المبادىء والقيم العليا للدولة.
وتلي عملية وضع السياسات -يضيف النحيلي- عملية تحويل هذه السياسات إلى برامج تنفيذية، إلا أن ذلك يتطلب بالضرورة وضع الخطة اللازمة لتنفيذها سواء أكانت خطة طويلة الأجل أم متوسطة أم قصيرة الأجل، بعد ذلك يتم وضع القواعد القانونية التي تتناسب مع تلك السياسات وهذه مهمة السلطة التشريعية، غير أن مناقشة بيان الحكومة من الهيئة التشريعية هي واجب ومسؤولية، ومن غير المقبول دستورياً أو سياسياً الموافقة على البيان كما ورد، بل يجب إخضاعه للمناقشة والمداولة والتعديل والإضافة والحذف، وبالطبع فاللجان المشكّلة في المجلس كل ضمن اختصاصها من حقها الاستعانة بأهل الخبرة والمتخصصين الذين يملكون المعرفة، كما أنهم مدركون لتوجهات الدولة ومبادئها وسياساتها، عندئذ نكون أمام حالة من التكامل في تحمل المسؤوليات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، وفي هذا السياق يجب التذكير بدور مجلس الشعب بامتلاك المبادرة التشريعية تنفيذاً لسياسات الدولة، فيصبح المجلس مؤسسة دستورية فاعلة ومبادرة، لا أن يقتصر دوره على مناقشة مشروعات القوانين التي تعدها الحكومة ومن ثم إقرارها، وفي هذه الحالة يتحول دوره من أن يكون مديراً إلى أن يكون صندوق بريد.
• النحيلي: يحق لمجلس الشعب المبادرة التشريعية فيصبح مؤسسة فاعلة حتى لا يقتصر دوره على مناقشة مشروعات القوانين التي تعدها الحكومة وإقرارها ليكون دوره مديراً بدلاً من صندوق بريد
بعيداً عن الأهداف
ويرى الدكتور النحيلي أن فكرة المجلس الاستشاري فكرة جيدة، ولكن الإشكالية تكمن بأن هذه التجربة تم اعتمادها في سورية على مستوى مجلس الوزراء، إلا أن المجلس بقي بعيداً عن تنفيذ الأهداف المستوحاة منه، على الرغم من تشكيل المجلس بمرسوم جمهوري، وتم تحديد صلاحياته، ومع ذلك لم نتلمس آثاراً إيجابية على أرض الواقع، وقد يعود ذلك إلى غياب الإرادة لدى أصحاب السلطة للانطلاق جدياً بعمل هذه الهيئة أو اللجنة، مبيناً أن العبرة ليست في تشكيل مجلس استشاري أو هيئة أو لجنة، بل العبرة في منح هذا الكيان صلاحية وضع رؤى وخطط تخدم توجهات الدولة وسياساتها، وإلزام الحكومة بمناقشتها جدياً ومن ثم تحويلها بعد المناقشة المستفيضة إلى مسار عمل، متسائلاً: هل ستتغير الحال عندما يتم تشكيل مجلس حكماء بالتعاون مع السلطة التشريعية لتنفيذ مهامها؟ موضحاً أن ما ذكر من ملاحظات وعقبات يمكن إسقاطه على المجلس الاستشاري المزمع تشكيله على مستوى مجلس الشعب.
وحتى لا نهدر الفكرة برمتها لابد إذا أردنا أن نسير بهذه الخطوة إلى النهاية من الأخذ في الحسبان بعض الركائز أهمها، حسب الدكتور النحيلي، أن يتم تشكيل المجلس بمرسوم جمهوري، وأن يتمتع بالاستقلال الاداري والمالي، وأن تكون توصياته وقراراته ملزمة، ووضع نظام داخلي ومالي للمجلس، وتخصيصه بمقر لائق، وأن تكون لهذا المجلس أحقيته في الاستعانة بأهل الخبرة، وإخضاع أعضائه للمساءلة والمحاسبة، وتقسيم أعضاء المجلس الاستشاري إلى لجان تخصصيه يكون تفاعلها مباشرة مع اللجان النظيرة المعينة في المجلس.
النحيلي: العبرة ليست في تشكيل مجلس استشاري بل بمنحه صلاحية وضع رؤى وخطط تخدم التوجهات والالتزام بمناقشتها وتحويلها إلى مسار عمل
تجارب برلمانية
من خلال الاستئناس بتجارب “البرلمانات” الدولية لجهة الاستعانة بأهل الخبرة للقيام بمهامها يشير النحيلي إلى أنه بطبيعة الحال تكون لكل برلماني في الدول المتقدمة بيوت خبرة يستعين بها لتقديم مداخلاته، ويتولى البرلماني ذاته تمويل الخبير أو الخبراء، عندئذ ستكون أمامه ورقة عمل تتضمن بيانات ومقترحات يكون مصيرها صدور قانون.
في حين أن العمل البرلماني في لبنان يختلف عما هي عليه الحال في سورية، وخاصة لهجة الحرية البرلمانية التي يملكها عضو البرلمان دستورياً، إضافة إلى أن النظام الداخلي لمجلس النواب اللبناني يسهل على البرلماني ممارسة دوره من دون أن يكون مجرد مقدم طلبات إلى أعضاء الحكومة، بل يبحث دائماً عن أهل الخبرة ولو على حسابه الشخصي لتزويده بما يتطلبه أداء عمله من مقومات نجاح وخاصة البيانات الإحصائية والمعلومات الكافية التي يمكن أن يبني عليها النائب أفكاره ومداخلاته.
أقرأ أيضاً:
«ملف تشرين».. الدستور السوري أعطى مجلس الشعب دوراً مهماً… لكنه لم يفعّل !!!