الحرمان من الاختيار يوجد آثاراً نفسية خطيرة.. التخصص الجامعي بين رغبة الطالب واختيار الأهل
تشرين – دينا عبد:
بعد أن يجتاز الأبناء المرحلة الثانوية، تبدأ معاناتهم من حرص آبائهم وتدخلهم في اختيارهم للتخصص الجامعي للأبناء؛ فالآباء يرون أنهم أدرى بمتطلبات سوق العمل، وأكثر حرصاً على مصلحة أبنائهم، وأخبر منهم في أمور الحياة المستقبلية، وطبعاً؛ هناك أبناء يكبتون ميولهم إرضاء لرغبات والديهم واحتراماً لهم، ومنهم من يحاول أن يقنع والديه بأن هذا الاختيار لا يناسب ميوله، فإن تفهما وضعه سلم من استبداد الرأي، وإن كان العكس، سيظل في حيرة من أمره إما أن يتقبل ويثابر وينجح، أو يتقبل وتجده يصارع ويقاوم ويفشل.
فشل وتعثر
تقول رهف (حاصلة على الشهادة الثانوية هذا العام): إن اختيار الآباء في التخصص الجامعي أو المهني للأبناء وإرغامهم على ما يريدون من تخصص دراسـي دون النظر إلى ما يتناسب مع قدرات أبنائهم وميولهم، وأحلامهم، وطموحاتهم مشكلة يواجهها كثير منا ما يسّبب فشل وتّعثر بعضنا في مهنهم وتخصصاتهم وتدني تحصيلهم الدراسي، وفقدان الرضى عن الذات، وشعورهم بالإحباط.
وتلفت رهف إلى أن هناك أكثر من 200 تخصص بين كليات ومعاهد ويعتبر تدخل الأهل في عملية توجيه واختيار التخصص الجامعي لابنهم بصورة قسرية قد يوقعه في حيرة تجعله عاجزاً عن الاختيار الصحيح، خصوصاً إذا كانت رغباته الشخصية تتعارض مع رغبات الأهل.
تحاور
أما إيهاب ( طالب جامعي) فأعتبر أنه من الضروري جداً أن يتحاور الأبناء مع الآباء في المواضيع التي تتعلق في شؤون مستقبلهم الدراسي والعملي فيكون دور الأهل توجيهياً من خلال النقاش لا فرض الرأي ومن خلال التوجيه الهادئ بعيداً عن التشنجات، واستثمار طاقاته في النجاح بالمواضيع التي يبدع بها؛ وهذا ينطبق على الأبناء في مختلف المراحل الدراسية، بدءاً من المدرسة واختيار التخصص (أدبي ، علمي ، معلوماتي) أو التخصصات في مرحلة الجامعة.
اختلاف ميول
وبرأي دارين (موجهة) فإن كل أسرة تعرف مستوى أبنائها من خلال نتائجهم المدرسية ودرجاتهم لذا يجب على الأهل عدم فرض رغباتهم وميولهم على أبنائهم وخصوصاً إذا كان الأهل يعلمون أن ميولهم تختلف عن رغبات وميول الأبناء وعدم قدرتهم على التحصيل الدراسي وبالتالي الإخفاق في الدراسة وتحميل الآباء مسؤولية سوء الاختيار.
معرفة الميول
وتشير ميسون – خريجة جامعية – إلى أنه يجب علينا جميعاً أن نعرف أنه وفي الوقت الحاضر أصبح الأبناء أكثر وعياً وفهماً نتيجة ظهور التكنولوجيا فالشاب اليوم قادر على اختيار مستقبله العلمي أو المهني وقادر على التعرف على متطلبات سوق العمل؛ ما نريد تأكيده للطلبة الخريجين ومن هم على مقاعد الدراسة بأن هناك وظائف عامة يمكن العمل بها بدلاً من انتظار الوظيفة الحكومية.
مضيفة: ليس صحيحاً أن يقوم الأهل باختيار تخصصات أبنائهم دون إرادتهم ورغباتهم دور الأهل هو مراقبة التلميذ منذ الصغر لمعرفة ميوله ورغباته لتطبيقها بشكل أكاديمي على أرض الواقع.
المرشدة التربوية ورئيسة دائرة البحوث في مديرية تربية دمشق إلهام محمد بينت أن من أهم مهارات الحياة التي يجب تعليمها وتمكين الأبناء منها مهارة اتخاذ القرار، إذ إن مشاركة الأبناء في اتخاذ القرار الذي يضمن لهم مستقبلهم عامل مهم في نجاحهم وتحملهم للمسؤولية فيما اختاروه؛ ومن الضروري أن يكون الأهل على دراية بميول واهتمامات الأبناء وتوجيههم لها إذ إن لكل شاب تطلعات يسعى لتحقيقها وتنجم عنها الكثير من الإخفاقات نتيجة تمسك الأهل بقرارهم وربما يكون هذا القرار تقليداً لما في المجتمع ومراعاة لمن حولهم دون النظر لقدرات وإمكانات أبنائهم ومن المعروف أن الاختيارات الجامعية تلبي جميع مستويات الذكاء، ونحن الآن في عصر يؤمن بالذكاءات المتعددة التي تلبي جميع احتياجات الشباب العقلية والفكرية والجسمية والانفعالية؛ لذلك لابد من الوقوف أمام سؤال: أين يكمن ذكاء وقدرات ولدي؟ وهذا ما يجب أن نكون قد لاحظناه في مسيرته السابقة دراسياً وحياتياً.
وتشير إلى أن الدراسات اليوم تؤكد ضرورة دخول الشاب المجال الذي يلبي احتياجاته الفكرية والنفسية لأن هذا سيجعله قادراً على تجاوز جميع مراحله وصعوباته وتحمل مسؤولية نتائجه؛ إضافة إلى أن كل الفروع والاختيارات الجامعية أصبح لها مجالات عمل نفخر بها سواء كانت رياضية موسيقية فنون هندسة تعليم ..الخ.
وتختم بالتأكيد على أن الاختيار مع الرغبة مهم جداً للتفوق والنجاح ومن الضروري أن نخرج من نجومية الدرجات فقط الى نجومية الحياة.
نحن الآن في عصر يؤمن بالذكاءات المتعددة التي تلبي جميع احتياجات الشباب العقلية والفكرية والجسمية والانفعالية
تضارب
بدورها الباحثة الاجتماعية أسمهان زهيرة بينت لـ”تشرين” أن الأحلام تتضارب بين ما يريده الآباء، وما يرغب فيه الأبناء؛ فالآباء والأمهات يحلمون بتخصص معين لأبنائهم بصرف النظر أحياناً عن مدى قدرتهم على النجاح في هذا التخصص؛ وهنا يرغب الابن في تحقيق أحلامه وفق ما يناسب ميوله وقدراته فيبدأ الخلاف بين الطرفين؛ حيث يرى الوالدان أنهما أكثر خبرة وقدرة على تحديد مستقبل أبنائهما؛ في حين يعتبر الأبناء أنهم الأقدر والأحق باختيار مستقبلهم.
الأحلام تتضارب بين ما يريده الآباء، وما يرغب فيه الأبناء
بيئة الآباء
وتضيف: هنا تدفع سلبية الأبناء في زمننا هذا وتواكلهم على الأهل في تسيير كل شؤون حياتهم حتى التعليمية إلى منعهم من تحمل المسؤولية المجتمعية نحو أنفسهم ونحو اتخاذ القرارات المتعلقة بحياتهم ومستقبلهم؛ وتجعل الآباء يتدخلون في اختيار التخصص الجامعي؛ هذه مشكلة وما ينتج عنها من انعكاسات سلبية على نجاحهم الجامعي والوظيفي موجودة لدى أغلب الأسر التي لديها أبناء على مشارف الجامعة حيث نسي الآباء أن آبائهم هم من حددوا مسارهم بالتعليم وهم غير راضين فيفعلون ذات الشيء مع أبنائهم.
تدفع سلبية الأبناء في زمننا هذا وتواكلهم على الأهل في تسيير كل شؤون حياتهم حتى التعليمية إلى منعهم من تحمل المسؤولية المجتمعية نحو أنفسهم ونحو اتخاذ القرارات المتعلقة بحياتهم ومستقبلهم
وتشير زهيرة إلى أن توقعات الأهل تجعل الأبناء لا يعرفون ما يريدون لعدم وجود النقاشات فيما بينهم وقد يستهزئ الأهل برغبات أبنائهم في الحصول على وظائف ومهن لا ترتقي إلى مستوى طموحاتهم الاجتماعية؛ وفي الكثير من الأحيان لا ينجح الوالدان في اختيار التخصصات التي تتناسب مع مؤهلات الأبناء الفكرية والعلمية ما يؤدي إلى انعكاس النتائج السلبية على مستقبلهم كونهم مرغمين على دراسة التخصص الذي لا يتناسب مع قدراتهم ويؤثر على شخصيتهم وخاصة من الناحية النفسية؛ لذلك من الضروري أن يحدد الطالب بنفسه المجال أو التخصص المناسب مع قدراته التفكيرية وميوله العلمية حتى لايواجه صعوبات تهدد مسيرته الدراسية في المستقبل وأن يكون دور الأهل التوجيه.
وأشارت الباحثة زهيرة إلى أهم الآثار السلبية لتدخل الأهل في اختيار التخصص، ومنها أنه يُعلم الابن الاعتماد على الآخرين ويفقده القدرة على اتخاذ القرارات، ويعود بالسلب على مستقبله الدراسي والعلمي ليفشل في النهاية دراسياً، ويشعر الابن بالقهر الاجتماعي عند التحاقه بالكلية التي اختارها الأهل.