اللعبة كبيرة.. واللاعبون الأساسيون مدركون لقواعدها
تشرين- ادريس هاني:
أعطانا النتن فكرة كاملة وأكثر عن الطريقة التي هيمنت بها الإمبريالية على أمم وشعوب كانت تؤمن بوجود أعراف إنسانية في الحد الأدنى من الاعتبار، ففكرة الإبادة قديمة وتسببت بانقراض شعوب وأمم، والنتن لا يزال وفيّاً لتلك النزعة التي لن يحاسبه عليها الغرب الذي مارس الإبادة وانتهك تنويره المزدوج والذي فضحته الإمبريالية في قمعها الشمولي وعنصريتها الفائقة.
وهو في الوقت نفسه أجاب عن كلّ المبادرات المتعلقة بوقف الحرب، وهي حرب على من؟ على العزّل، يقول النتن إنّ هؤلاء «جبناء» يختفون خلف المدنيين، لكنه يريد أن يظهر المقاومون حتى تحصدهم طائرات يختفي خلفها جيش عاجز عن خوض حرب برّية، تُرى من يختفي خلف التقنية، خلف البوارج الغربية، خلف نظام دولي ينطوي على فجوة الاستثناء تجاه احتلال له الحق في الإبادة؟ انزل ثم خرِّف، هؤلاء الذين يقاومون احتلال استثنائياً، هم بالفعل حالة استثنائية في الكون المُقاوم، إنّهم يقاومون بُنية عنف دولي، عالم سقط في الحضيض، عالم يتصالح مع الإبادة، لقد أجاب النتن على مبادرات التهدئة بعنف، على الوساطات: بقتل هنية، بالتصعيد في جنوب لبنان، التحرش بسورية، مجزرة مدرسة التابعين، حتماً سيتمادى حين يرى البوارج الغربية تتحرك باتجاه المنطقة لحمايته، ومجّد تفوقه بسحق المدنيين وقتل الأطفال.
لم يعد هناك وقت للتفسير، للحجاج، فالتضليل الشمولي يحاول حشر العالم في نقاش خاطئ، انقلاب على البداهة.. إنّ المُدان اليوم هو عالم بأسره، مجازر بحقّ الأطفال والمدنيين، لم تعد هناك مبررات أمام عالم يفقد كل قيمه الإنسانية والتحررية حين يتعلق الأمر بمحاسبة الاحتلال.
كنت متحمّساً لضربة انتقامية خرسانية فورية، لكنني اليوم أدرك معنى الانتظار وأهميته.. إنّ الحرب النفسية التي تسبق الضربة لا تقل ضرراً على الكيان، على اقتصاده، على ثقته بنفسه، لكن هل ينتظر الكيان سرباً من المسيّرات، أم عملية نوعية تتناسب مع لعبته السيبرانية؟ يبقى أن نقول: لا أحد من القاعدين يملك أن يعطي دروساً في الحرب لمن هم طليعة الميدان، الدروس هنا ستكون فضولية ووقحة تنطوي على أحقاد فردية مزمنة.
حين يتعلق الأمر باحتلال، بمأساوية الإنسان، بالإبادة، بالظلم، تنتهي مُغالطة الهويات، والأيديولوجيات، واللُّتيّا والتي، يتجرد الإنسان، ليصبح معيار الهوية الصحيحة هو أن تكون إنساناً، فمن خان الإنسانية خان الهوية، من خرق الدائرة الكبرى يوشك أن يخرق الدائرة الأصغر.