لا ندري من تستغبي واشنطن وهي تواصل تمثيل دور الداعي إلى التهدئة واحتواء التصعيد في المنطقة، خصوصاً عندما يكون هذا الدور موجهاً باتجاه الكيان الإسرائيلي، من النوع الذي كرره وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في اتصاله أمس مع وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت حول أن «التصعيد ليس من مصلحة أي طرف».
واشنطن تسمح للكيان الإسرائيلي بممارسة كل أنواع التصعيد في غزة والإقليم، من الاغتيالات إلى المجازر الجماعية، ثم تخرج وتصرح بأن التصعيد ليس من مصلحة أي طرف، وهو ممنوع على كل طرف، وتتجاهل بشكل سافر أن كل التصعيد في المنطقة منطلقه من الكيان، وفي الوقت نفسه تفرض على الجميع عدم الرد، وتعتبر أنه ليس من حقهم، وتؤكد أنها ستدافع عن الكيان ضد كل من يرد ، فمن وجهة النظر الأميركية يحق له أن يعتدي على الجميع، يقتل ويغتال ويرتكب ما يشاء من الجرائم ضد الإنسانية، فهو يدافع عن نفسه، ولكن ليس من حق أي طرف في المنطقة أن يدافع عن نفسه ويرد العدوان الإسرائيلي عليه.
واشنطن تزود الكيان بكل أنواع الأسلحة (بما فيها المحرمة دولياً) ليبيد شعباً بكامله، ويهدد شعوب الجوار، وتزوده بكل أنواع المعلومات الاستخباراتية لينفذ اغتيالاته في كل مكان في المنطقة (والعالم) ثم تخرج لتتحدث عن أن التصعيد ليس في مصلحة أي طرف، وتحاسب الفلسطيني على اقتناء سكين يدافع بها عن نفسه ضد هجمات المستوطنين وجيشهم الذي تخطى كل أنواع الوحشية ضد الإنسانية، وآخرها قصف مدرسة في حي الدرج وسط غزة تأوي آلاف النازحين ليسقط منها المئات بين شهيد وجريح.
واشنطن تهدد كل من يرد على الوحشية الإسرائيلية، وتعتبر أن الرد يستهدفها قبل أن يستهدف كيانها، وتالياً فهي ستكون في الخط الأمامي تدافع عنه وعن جرائمه، ولا تتوانى عن إرسال ترسانة كاملة من الأسلحة براً وبحراً وجواً تهدد بها الجميع، فإذا ما وقع الرد، فهم (أي أطراف المنطقة المعنيون) يتحملون كامل مسؤولية الوصول بالمنطقة إلى حرب شاملة.
واشنطن حتى وهي تمارس أكاذيبها بالدعوة إلى عدم التصعيد، فإن الكيان لا يتوقف عن التصعيد، ولا عن التهديد بالمزيد من التصعيد واشعال حرب شاملة، بل هو (خصوصاً ما بعد زيارة نتنياهو إلى واشنطن قبل نحو شهر) زاد من حدة التصعيد طولاً وعرضاً.. وهو يهدد بالمزيد من الاغتيالات والمجازر، معلناً أن لا شيء ولا أمر، ولا أي طرف سيمنعه أو هو قادر على منعه، ومرد ذلك لا يخفى ما دام الجميع في المنطقة يرون ذلك التحشيد العسكري الأميركي، وهناك شبه يقين أنه ليس للاستعراض والتخويف فقط، إذا ما استدعت الأمر أكثر من الاستعراض والتخويف.. ولكن السؤال: هل في كل مرة سينجح ذلك في منع الوصول بالمنطقة إلى حرب موسعة.. هل في كل مرة ستنجح عملية الاحتواء.. ماذا لو أن أطراف المنطقة الواقعة تحت التهديد والضغط قررت توجيه ضربة قاصمة للكيان؟
تدرك أميركا جيداً أن أي حرب موسعة في المنطقة ستكون بمنزلة الحرب الأخيرة، لها ولكيانها، ستكون معركة وجود نهائية، لذلك تعمل ما بوسعها لتأخيرها أو لعدم وقوعها إذا أمكنها. هناك اتفاق عام على أن أميركا تخشى هذه الحرب، في ظل اتساع خريطة العداء لها في المنطقة بأطرافها التي ضاعفت قوتها بصورة لا يمكن لواشنطن أن تتجاهلها.. بالمقابل هناك اتفاق أيضاً على أن أميركا لن تقف متفرجة إذا ما وقعت الحرب الموسعة.
وباعتبار أن هذه الحرب إذا ما وقعت ستكون الأخيرة وفق سياق المعادلة الصفرية، ووفق فائض العسكرة الذي تغرق به المنطقة، هناك اتفاق أيضاً على أن أحداً لا يمكنه توقع نتائجها أو مداها، فكل السيناريوات واردة لناحية من ينتصر ومن ينهزم.