تصعيدٌ كامنٌ تحت نار «التهدئة».. تضليل العدو والتساؤلات المجهولة الإجابة ردٌّ أولي.. أميركا على ترقب وقلق دائمين والأميركيون لا يرغبون بالدفاع عن «إسرائيل»
تشرين- هبا علي أحمد:
لا يزال الوضع على حاله فيما يخص توقيت الرد الإيراني والمقاومة اللبنانية/ حزب الله.. غموض يلف المشهد مع تأكيد أنّه آتٍ لا محالة، لكن التوقيت والمسار والطبيعة كلها أمور لا تزال قيد المجهول ولاسيما بالنسبة لكيان الاحتلال والولايات المتحدة من خلفه، وسط مساع مستمرة للاحتواء والتهدئة، من غير الواضح إن كانت ستُثمر أم لا؟
وأتى خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، أمس، ليزيد حال الغموض رغم أنه كان هادئاً ومتزناً، وواضحاً كعادته، لكنه يثير أسئلة من نوع آخر ولا سيما فيما يتعلق بالرد الإيراني حول ما إذا كان هناك رد أو أن التهدئة على الطريق؟ وهل إن الرد قائم على موازين القوى وبالتالي تداعياته على هذه الموازين؟ وإذ كان لا أحد يملك الإجابة الواضحة مع تضارب التحليلات والآراء من البعض والتشكيك من البعض الآخر، وبصرف النظر عن تأجيل الرد أو إلغائه كما يروج إعلامياً، إلّا أنّ أهم ما يمكن التوصل إليه من خطاب السيد، هو القدرة العالية والنوعية لمحور المقاومة في معركة الوعي واللعب عليه، ومعركة تضليل العدو، لناحية مروحة واسعة من المعطيات والخيارات، وتبدو الصورة على الشكل التالي: بنك واسع من الأهداف والمعلومات والفرص في توقيتها المناسب لدى المقاومة، مقابل بنك من الترقب فقط لدى العدو من دون أي معلومة أو خيار، وهذا جزء أساس من مراكمة النقاط.. نقاط قوة للمقاومة ومحورها، ونقاط الضعف للاحتلال الإسرائيلي ومحوره.
الحرب النفسية
اللافت في خطاب السيد نصر الله هو الأهداف الاقتصادية التي يملكها ضد العدو، والرسائل التي وجهها من خلال ذكرها بالأرقام وبالتفصيل، ما يعني أن المعركة متكاملة، سياسياً واقتصادياً وميدانياً وعسكرياً، وهو ما يدفع في كل مرة وسائل إعلام العدو للانشغال بخطاب السيد نصر الله تفسيراً وتحليلاً لمضمونه، مع يقينها بأنّ رده آتٍ لا محالة، فتصعيد الحرب يُجبي ثمناً اقتصادياً باهظاً على «إسرائيل»، إذ سلّطت صحيفة «إسرائيل هيوم» على التأثيرات السلبية التي سيتعرّض لها التصنيف الائتماني لـ «إسرائيل» و«الشيكل»، والبورصة وسندات الدين، في حالة تصعيد الحرب.
نصر الله يواصل ممارسة تكتيك الحرب النفسية ضد الإسرائيليين وما تفعله إيران وحزب الله في هذه الأيام هو ضربة نفسية خطرة لـ«إسرائيل»
وقال معلق الشؤون الفلسطينية في القناة الـ12 الإسرائيلية: إنّ نصر الله يُعَدّ المحلل الأفضل في الشرق الأوسط للشؤون الإسرائيلية، وعلى ما يبدو يعرفنا جيداً، مضيفاً: نصف مليار شخص عيونهم شاخصة إليه كي يشرح لهم الواقع، مشيراً إلى أنّه تحدّث في خطابه إلى الجمهور الإسرائيلي، وذكرت القناة الـ14 أنّ نصر الله يواصل ممارسة تكتيك الحرب النفسية ضد الإسرائيليين، كما قال مسؤول سياسي إسرائيلي: إن ما تفعله إيران وحزب الله في هذه الأيام هو ضربة نفسية خطرة لـ«إسرائيل»، وأنا أفكر في تناول الحبوب المهدئة أو المنومة.
بالتوازي تنشغل الوسائل نفسها في شرح وتفصيل طبيعة المعركة القادمة مع حزب الله إذا قامت، ومدى وقعها وإيلامها، ولاسيما بعد فشل الاحتلال في اعتراض مُسيّرات الحزب، أمس، في نهاريا وعكا، وأحد التقديرات التي تتّم مداولتها في المؤسسة «الأمنيّة» يتعلّق بمحاولة حزب الله ضرب (الكرياه) وهو مجمع رئاسة هيئة الأركان العامّة في جيش الاحتلال، والواقع في مدينة تل أبيب، وإضافة لذلك محاولة استهداف شخصياتٍ اعتباريّةٍ في الكيان.
المسؤولون الأميركيون قلقون من أن الرد الإيراني قد يكون مصحوباً بضربات متزامنة مع أخرى يوجهّها حزب الله واليمن والعراق لإرباك أنظمة الاعتراض الإسرائيلية
إلى ذلك، أكّدت الوسائل أنه لا يوجد لدى «إسرائيل» أي حلٍّ لمُواجهة خطر الطائرات من دون طيّار، ومنذ تسعة أشهر ونحن نحاول لكن من دون جدوى، مُشيرة إلى أنّ المسيّرات التي سقطت بالقرب من نهاريا بالجليل الغربي أمس كانت على ارتفاع أربعة أمتارٍ فقط من رؤوس المستوطنين، لافتة إلى أنّ الطائرات المسيّرة الانتحارية التي يطلقها حزب الله تمثل تهديداً يتعذر على منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية مواجهته.
وتشير تقديرات معهد «علما» الإسرائيليّ للدراسات، إلى أنّ حزب الله يمتلك أكثر من 2000 طائرة مسيّرة من مختلف الأنواع، تمكن من إنتاج بعضها بنفسه.
نقاط الضعف
وأيّما يُسرب إعلامياً ويتحدث عنه المراقبون والتحليلات حول الرد الإيراني، لكن يبقى عنصر المفاجأة قائماً بطبيعة الحال أقلّه راهناً.. ألم يكن عدم الرد بعد مرور أسبوع على الاغتيالات مُفاجئاً وللجميع؟ وألم يكن عدم قدرة حتى واشنطن على معرفة الموعد والأهداف مُفاجئاً أيضاً وكذلك الانتظار؟ لذلك ما على الجميع سوى الانتظار لتبيان الوضع، ولمعرفة إلى أين يسير، إلى التهدئة أم إلى التصعيد، رغم أن التصعيد كامن تحت التهدئة القائمة حالياً إن أمكن القول فيما يخص الرد أو مجموعة الردود.
ويتعاطى الإعلام الأميركي مع الرد وتداعياته على الكيان، مشيراً إلى عدم قدرة الكيان الكافية على التصدي للردّين الإيراني وحزب الله، مع معارضة الجمهور الأميركي لإرسال قوات لـ«الدفاع عن إسرائيل»، إذ أضاءت صحيفة «وول ستريت جورنال» على القدرات التي تمتلكها جبهات المقاومة، والتي تهدّد بالتغلّب على منظومات الاعتراض لـ «إسرائيل»، مؤكدة أنّ إيران تمتلك طائرات من دون طيار وصواريخ باليستية لم يتم تصميم نظام القبة الحديدية الإسرائيلية لاعتراضها، كما يمتلك حزب الله ترسانة تضم عشرات الآلاف من قذائف الهاون والصواريخ والصواريخ الموجهة الدقيقة.
وأجابت «وول ستريت جورنال» عن سؤال اختارته عنواناً لتقريرها، وهو: لماذا تحتاج «إسرائيل» إلى أكثر من القبة الحديدية لإحباط أي هجوم إيراني؟ موضحة أنّ «إسرائيل» تستعد لهجوم منسق من إيران وحلفائها، لافتةً إلى أنّ ذلك سيمثل أكبر اختبار حتى الآن لنظام الدفاع الجوي المتعدد الطبقات، والذي اضطر للتوسع إلى ما هو أبعد كثيراً من نظام القبة الحديدية، وذكرت الصحيفة أنّه هذه المرة يشعر المسؤولون الأميركيون بالقلق من أن الرد الإيراني قد يكون مصحوباً بضربات متزامنة مع أخرى يوجهّها حزب الله في لبنان، وغيرها من اليمن والعراق، في محاولة لإرباك أنظمة الاعتراض الإسرائيلية.
وحدّدت الصحيفة نقطة ضعف أساسية في منظومة الاعتراض الإسرائيلية، وهي قدرة الطائرات من دون طيار على التهرّب من أنظمة الرادار، بسبب استطاعتها التحليق على ارتفاع منخفض، ولاسيما إذا جاءت في أسراب.
أغلبية الأميركيين يعارضون – للمرة الأولى منذ أعوام – إرسال قوات أميركية للدفاع عن «إسرائيل» إذا تعرضت لهجوم من الدول المجاورة
كما ذكرت صحيفة «بوليتيكو» أنّ التعب والإحباط في صفوف الجيش الإسرائيلي، ونقص الذخائر، قد تعوق صدّ رد إيران وحزب الله على الاغتيالات، مؤكدةً أنّ العالم لا يوجد فيه ما يكفي من القبب الحديدية للتعامل مع 100 ألف صاروخ.
إلى ذلك، كشفت صحيفة «واشنطن بوست» معارضة أغلبية الأميركيين، للمرة الأولى منذ أعوام، إرسال قوات أميركية للدفاع عن «إسرائيل» إذا تعرضت لهجوم من الدول المجاورة، وفقاً لاستطلاع رأي أجراه مجلس شيكاغو للشؤون العالمية، وجد أن 55% من الأميركيين يعارضون إرسال قوات أميركية للدفاع عن إسرائيل، بينما أيد 41% القيام بذلك”، وأظهرت هذه النتائج تحولاً نحو انخفاض دعم الأميركيين لـ«إسرائيل» منذ بداية الحرب على غزة.
وأشارت «واشنطن بوست» إلى أنّ الجمهوريين كانوا أكثر تأييداً لمثل هذه الخطوة، من الديمقراطيين والمستقلين، بحيث قال 55 % منهم إنهم يفضلون إرسال قوات، بينما قال 35 % من الديمقراطيين والمستقلين الشيء نفسه.
أما في غزة – الميدان والسياسة- فكان الرد قويّاً باختيار يحيى السنوار لرئاسة المكتب السياسي لحركة حماس خلفاً لهنية ومن داخل غزة، بما يعكسه من قوة وتماسك داخل المقاومة الفلسطينية وسرعة لافتة في لملمة حزنها وعمق مُصابها، وبما يُشكل ضربة للعدو، الذي يُعد السنوار غريمه الأول والرقم الأصعب في حساباته، إضافة إلى دوره المحوري في معركة طوفان الأقصى تخطيطاً وتنفيذاً، وقاد الميدان العسكري في غزة لسنوات، ما يعني أن العدو عليه أن يتفاوض الآن مع من يحمل السلاح، وعلقت «إيكونوميست» قائلة: لو كان هناك أي شك حول أين يكمن توازن القوى داخل حماس فمن المؤكد أنه انتهى في 6 آب الجاري عندما تم اختيار يحيى السنوار الذي أصبح مسؤولاً عن الحركة بأكملها، في حين قال وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن: إن يحيى السنوار كان ولا يزال صانع القرار الرئيسي بشأن وقف إطلاق النار.