قطع ذيل (الفار) وبيان قواعد الاشتباك بلا فخار
تشرين- ادريس هاني:
– الحدث-
– تأكّد من خلال سلوك الاحتلال، أنّه بالفعل فشل في أن يضمن استمراريته بفائض العنف وخرق الأعراف الدّولية، ومع أنّ تكليف الطّائفة باللاّدولة لاهوتياً قبل انبعاث هرتزل واستغلال حادثة درايفوس التي انتهت إلى إدخال الغرب في مركب ستوكهولم مزمن، فإنّ الوعد باللاّدولة خرم وعد بلفور، فقد كان لاهوت اللاّدولة مخرجاً تاريخياً، لأنّ لاهوت الدولة كان ورطة. لقد بلغ الاحتلال ذروة الانسداد، لأنّه فضّل المخاطرة على التّسوية. الاحتلال لا يتصرف كدولة بل كحالة عنف مفتوح على الخاووس. الآن فقط ، أقول الآن فقط أفهم حكمة الشّتات.
– أدمن الاحتلال على الهزيمة العربية، وهو غير مستوعب التطورات التّاريخية، غير مستوعب أنّه في وضعية تضعه أمام قوى غير عربية هذه المرة، أنّ الحرب العالمية الثانية التي جاءت بوعد الدّولة تقتضي حرباً عالمية ثالثة لنسخ الوعد.
– بالنسبة للاحتلال يدرك أنّه ذهب أشواطاً في الإبادة ولا يزال. كيف يمكن تصور تسوية فوق أنهار من الدّم؟.. إنّه ما زال يجرب المخاطرة لاستعادة قوة الردع.
– لقد سجّل الاحتلال إصابة هذه المرة على طهران، لكن المعركة فيها أشواط ونقاط . الاحتلال منح طهران كلّ المبررات للرّد. إنه يختبر صبرها الاستراتيجي كما يسمّيه محور المقاومة، لكن إلى أي حدّ سينجح النتن في إكمال نزهة الحرب الموسّعة؟
– بما إنّ المعركة هي أبعد من كيان يوجد في قلب فلسطين، هي حرب يسندها الغرب، فإنّ تسجيل إصابة هنا أو هناك داخل جولات المعركة، أمر متوقّع. الآن الاحتلال تقدّم بنقطة على المحور في موضوع المخاطرة، هدف غير محسوب لأنّ هناك تسلّلاً. لكن فكرة المخاطرة هنا، وجب التوقف عندها:
المخاطرة هي جوهر الصراع بالمفهوم الكوجيفي، الاعتراف والاستسلام يقتضي المخاطرة. من يخاطر أكثر. محور المقاومة مازال يأمل الكثير في النّظام الدولي. الاحتلال يقرأ التّردّد، في منظوره للصراع: من يملك المخاطرة ينتصر، وهو لا يفعل سوى أن يقرأ مدى قدرة الخصم على المُخاطرة. كل شيء إذاً متوقف على «دوزان» المخاطرة، إنّها معركة بسيمياء وعمق دلالي يدركه الفُرسان، التردد يعطي فرصة لتسجيل نقاط إضافية. التصعيد النوعي رادع، كما في الملاكمة: فارغة في ممتلئة (خاوية فعامرة) وراء الضربة الفارغة هناك ضربة ممتلئة، الخصم يتجرّأ أكثر متى كانت الضربة فارغة. لا يكفي التلويح. إنها معركة وليس مهرجاناً مفتوحاً.
لتحقيق الردع، وجب تصعيد منسوب المخاطرة المضادة، الرّفع من الإيقاع واعتبار المُناسبة. الاحتلال يستهدف القيادات، لم يعد مهمّاً استهداف مواقع داخل الكيان بعد أن استوعب الضربة. هي إذاً حرب قذرة، أي إن قواعد الاشتباك لم تعد مقدّسة.
من ناحية أخرى، يمكن أن تستفيد طهران من هذه المخاطرة، أي تحويل أخطاء الاحتلال إلى ورقة، التحلل من كل الالتزامات بخصوص الملف النّووي، استهداف قيادات الكيان من باب الرّد بالمثل.
-التشويش على الوعي-
– جزء من الهشاشة هذا المارستان الأهبل الذي يشوش على الوعي. أولئك الذين يتحدّثون قبل الزمن الاستراتيجي لنضوج الرأي بكل ما يجود به خيال وهوس. أولئك الذين يجعلون الصدمات بالغة الأثر. الوسائط والإعلام مهووس بالسرعة أكثر من المحتوى، فالتِّقْوَال أكثر من الحقيقة. إنهم في أغلب الحالات يبيعون فرو الدّب قبل اصطياده، يبيعون السّمك في الماء.
– يشعر النتن بأنه في سباق مع الزّمن، ما يقوم به يتجاوز حتى الكيان، إنّه يدافع عن برنامجه، ليس أمام هذا الفشل الكبير سوى القيام بمخاطرة لا يتحملها كيان هشّ. الانقسام الداخلي، النتن مطلوب رأسه حتى داخل الكيان، خطب في كونغرس، حيث لم يحضر 50 عضواً، كما رفضت كل من نائب الرئيس كامالا هاريس ورئيسة المجلس مؤقتاً باتي موراي ترؤس جلسة الخطاب ليتولاّها رئيس العلاقات بمجلس الشيوخ بن كاردين حسب شبكة «سي إن إن». أكملوه بشخصيات بديلة، لذلك كان التصفيق بلا سبب، تصفيقات حسب «الغارديان» كانت جوفاء ولن تفيد الكيان.
– استغل نتنياهو الفراغ، ليفرض أجندة الهروب إلى الأمام، حيث الحرب الشاملة باتت هي المخرج الوحيد أمام مجرم حرب خسر الرّهان.
– استهداف شخصية في بلد آخر، هي قضية التزام بأعراف دولية واحترام السيادة والقانون الدولي، وليست شطارة تقنية. إنّ أبا العبد نزل في مقر ضيافة معروف، ما العبقرية في استهدافه في سكن مدني.
– يسعى الاحتلال لتقزيم دول المنطقة، ولكن إذا أمكنه فعل ذلك مع دول عربية كثيرة، حار في موضوع إيران، وهو يكرر أساليب العدوان نفسها التي قام بها ضد الدول العربية، وهي الأساليب نفسها التي ستنتهي بانهياره. المنطقة اليوم ليست هي بالأمس.
-البلهارسيا الطائفية والتشويش على الوعي-
– من يدرك سيمياء الشّهادة، يحيط بعناصر جغرافيتها وزمانيتها. فلقد شاء القدر لأبي العبد أن يسيل دمه في ذلك البلد، ويصلّي عليه قائد ذلك البلد، وتخرج مليونية فائقة في تشييع جنازته، ويتولّى الثّأر له ذلك البلد، ويرفع اسمه في الأمم المتحدة ممثلاً ذلك البلد…هذه وتلك لن تلجم نغلاً أو داعية تورّم قلبه حقداً طائفياً وطلع عليه النهار تعالُماً وادعاء، لقد سبقوا كل التوقعات، وأطلقوا العنان لخيال فقير. حين يضرب القوم الاحتلال، يقولون مسرحية، حين يستهدفهم الاحتلال يقولون: إنهم مخترقون ضعفاء، ما المطلوب أيّها القاعدون المتفرجون؟.. ينسى المهرجون أنّ المحور كله في وضعية مقاومة، لسنا أمام الاتحاد السوفييتي، هذه إيران في حالة تطوير إمكانيات الردع، وفي وضعية حصار دولي.
– تساؤلات ذيل الفار متخمة، لكنها فقيرة حين يتعلق الأمر بالتلويحات الآتية من هناك، من البيئة الإقليمية المحيطة، من حيث توجد قواعد إمبريالية وأوكار، تأكل القطة ألسنتهم ويتبالدون.
– لم تمض سنة، حتى شهدنا تشخيصاً بهلوانياً للأحداث: إيران متفقة مع أمريكا، إيران مخترقة، إيران تحتل البلاد العربية، في حين أمام إيران قرار واحد لكي يسلمها الغرب حرية وحق جلد كل من لغا في المنطقة.
– يروج الطائفيون لحديث دعاة أغبياء، وبكل وقاحة، أن تعامل حماس مع إيران هو من باب أكل الميتة.. طيب اذهبوا مباشرة وكلوا الميتة وتعاملوا مع الاحتلال. إنّ الطائفي سجين هلوسات لا حدود لها، تقوّلوا في كلّ شيء. جهاز ابتكار المغالطة يعمل ليل نهار، بعضهم يقول إن إيران تستغل القضية الفلسطينية لتغسل العار، والعار هو انخراطها في المعركة ضد الإرهاب في سورية والعراق ولبنان واليمن، الأفاكون يتحدثون عن بلدان أغلبيتها ذات لون مذهبي واحد، إنّها البلهارسيا الطائفية، لو تركوا لحالهم لحوّلتهم الإمبريالية إلى عبيد ملتحين. لكن من يسعى لغسل العار، من وقّع، من زحف على بطنه استمكاناً وانتهازية، متى كان العويل والزعيق يرسم للميدان ما يجب أن يكون.. أليست هي الوقاحة؟
– وكما فعلوا سابقا يستبقون الحدث، العجلة من الشيطان، مثلما قالوا بالأمس بأنها مسرحية، إنهم يشوشون على الوعي، يحملون مركباً مزمناً، اقعد وانتظر وتفرّج، الذين يصنعون الحدث هم في حالة حرب، مكر مفر، لا تريهم ما أنت فيه ملط جاهل، تفرج و«سكّر بوزك».
– ينطّ الكيديون لتحميل البلد المضيف مسؤولية استشهاد قائد وحده يعلم أنّه لولا ذلك البلد، لما أمكن المقاومة أن تواصل خطوها. لم يحمل ذلك البلد العراق مسؤولية استهداف واحد من قادته. إنّها الحرب أيّها القاعدون الجاهلون بفنونها، بقواعدها، إن لم تكن تحسن المشي باستقامة على الرصيف، فلا تحكي عن فنون القتال.
– يقيمون مقارنة بليدة بين البلد إياه، وبلدان أخرى على علاقة معلنة مع الاحتلال، ومع ذلك يمنحهم من لا شرف له شرف البطولة، وكان السؤال الحقيقي هو: لماذا لم يُستهدف أبو العبد هناك واستُهدف هنا.. هل نطلق العنان للخيال، للمحمولات التي حملوها معهم.. هل يصعب القول إن أبا العبد كان رهينة، وإنّ المسرحيات تخرج من هناك، وإن الحدث يؤكد أن قواعد الاشتباك ارتفعت بين خصمين حقيقيين وليس بين الاحتلال ورفاقه؟.. ثم من قال لك أنّه اختراق؟..وهو فقط شطارة أن تخرق الأعراف الدّولية، ومثله حصل في سائر بلاد الدنيا، في الغرب والشرق، إنها الحرب، الحرب يا أبله.
– ومع أنّ معالم النّصر أتت مختالة من هناك، إلاّ أنّ النهاقين يقولون: شاء الله أن لا يكون ذلك بأيديهم، لكن الأفّاق ومعه قوم منافقون، ألا يرون بأمّ أبصارهم الجاحظة، من يصنع ومن يضمن النصر؟
– الفتنة يجب أن تقتلع من داخل الخطاب السّيئ، وليس تأجيلها إلى أجل مسمّى. الناس في جنازة والقاعدون ينهقون. نحن غير مكلفين شرعياً بإنهاء النّفاق، إنّه أنزيم حيوي في جسد خلوي، ولكن لا بدّ من قطع ذيل الفار.. ولله في خلقه شؤون.
– حينما يكون خطيباً جاهلاً لا يحمل علماً بالمعقول والمنقول، يستغل متلقيّاً أمّياً، يصبح وإن كان أعور َ ملكاً على العُمي، وإن كان خنزيراً شيخاً على الحمقى، وإن كان قبيح الأرومة، صالحاً على الأوباش.
– النّهاقون يتملقون بقدر ما يُهْجون، اتسعت مزاعمهم حتى باتوا يتحدثون في فن الاستراتيجيا وعلم السياسة والدين والدنيا؛ ما أقبح ذيل الفار.
– رحم الله أبا العبد، لقد اخترت حيث تقضي شهيداً، ولا نامت أعين الطائفيين الأوغاد.