في السياسة لا شيء اسمه هفوة أو زلّة لسان، وعندما تصدر عن سياسي فهي متعمدة ومحسوبة، وفيها من الرسائل ما فيها، وهي «أصدق إنباء» من تبريرات تأتي لاحقاً «طبعاً الرئيس الأميركي جو بايدن مستثنى من هذه القاعدة وفق اعتبارات الشيخوخة وخَرَفِها».
لذلك عندما يقول ماثيو ميلر، المتحدث باسم الخارجية الأميركية: إن الكيان الإسرائيلي «له الحق في استهداف المدنيين».. فهذه ليست هفوة وفق التبرير اللاحق للخارحية الأميركية، ولا زلّة لسان، بل هي التوصيف الدقيق للضوء الأخضر الذي أعطته إدارة بايدن للكيان الإسرائيلي لاستباحة الدم الفلسطيني في حرب إبادة مستمرة منذ ثمانية أشهر على قطاع غزة.
ميلر – الذي جاءت تصريحاته رداً على أسئلة الصحفيين حول المجزرة الجديدة التي ارتكبها الكيان في مخيم النصيرات، مستهدفاً مدرسة لـ«أونروا» يحتمي فيها آلاف النازحين- لم يكتفِ بقول ذلك بل حمّل النازحين مسؤولية وضع أنفسهم في مرمى الاستهداف، لأن يُخبئون عناصر من حركة حماس في المدرسة، حسب المزاعم الإسرائيلية.
التصريحات تم وصفها على نطاق واسعة بأنها لا تقل ترويعاً عن مجزرة النصيرات وغيرها من المجازر التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني، إنها تجديد أميركي دوري لرخصة القتل التي تم إعطاؤها للكيان الإسرائيلي منذ تأسيسه منتصف أربعينيات القرن الماضي، فكل ما فعله ميلر أنه قال في العلن ما يتم قوله وراء الأبواب المغلقة، علماً أن بايدن سبق وصرح غير مرة بما يُماثل هذا القول، لناحية تكراره باستمرار أن لا محاسبة ولا معاقبة ولا خطوط حمراء أمام الكيان الإسرائيلي في حربه على غزة.
تصريحات ميلر جاءت بعد ساعات من إعلان أنتونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، إدراج جيش الكيان على «قائمة العار» لقاتلي الأطفال، ولكن من يهتم؟.. «رغم أن هذا الإدراج مهم للغاية لناحية مراكمة الوثائق والأدلة في مسار محاكمة الكيان ومعاقبته في المستقبل».. هكذا يقولون، ولكن من يهتم، هل سنصل في النهاية إلى هذه المرحلة، هل ستسمح أميركا بذلك؟
قطعاً لا، لأن هذا الإجرام الإسرائيلي لن يتوقف، ولأن أميركا لن توقفه، ولأن لها مصلحة فيه تماماً كما الكيان الإسرائيلي، ولأنها عن طريقه تحقق مآرب في عموم المنطقة، وتعيد تدوير الخطط والمطامع وفق مسار الحرب الوحشية على قطاع غزة وأهله، ولأنها فعلياً هي من يمسك بزمام الحرب ومسارها وأهدافها النهائية، وما دامت الأهداف لم تتحقق فإن الحرب مستمرة.. وما دام الطرف الآخر «المقاومة وجبهات الإسناد» ما زال يوجد في الساحات ويرسخ معادلات الردع فإن الحرب مستمرة.. وما دامت عدة دول في المنطقة تواصل مساراً انقلابياً في سياساتها، خصوصاً الاقتصادية، فإن الحرب مستمرة.. وما دام الخصوم لاعباً يُحسب حسابه في قلب الملعب الأميركي «وبين جمهوره كما يقال» فإن الحرب مستمرة.. وما دام التوفيق بين كل ما ذكر أو التوصل إلى نقاط وسط أمر مستحيل، فإن الحرب مستمرة.. وهكذا فإن المنطقة كما يبدو أمام حرب طويلة، ستستنزف الجميع دون استثناء، وصولاُ إلى مرحلة الإنهاك ومن يرفع الراية أولاً. هنا فقط تبدو أميركا وكيانها الحلقة الأضعف، لكن حتى ذلك الوقت فإن الحرب مستمرة والمجازر الإسرائيلية مستمرة.
مها سلطان
57 المشاركات