في حضرة الشهادة والشهداء كلّ الكلام لا يفي غرضه ولا يحقق هدفه، إذ تبقى الشهادة العنوان الأسمى والهدف الأهم، ويبقى الشهداء نبراساً للهداية والاقتداء.. من قال إنّ زمن الأنبياء انتهى و الشهداء هم أنبياء الله على الأرض وحملة رسالته.. رسالة المحبة والسلام والنور في مواجهة الظلام والظلم والجهل والكُفر والتكفير الذي فاق الوصف وجاوز الخيال ولاسيما على مدار الحرب الظالمة التي شُنت على سورية، حيث كلّ شهيد ضحى بحياته فداءً لمستقبل أفضل هو نبي قدم دمه للسلام والإباء والشموخ.
ربما جال في بال الكثير منّا للحظة من لحظات الزمن هل فعلاً هناك من يُقاتل طوعاً وحبّاً؟ هل فعلاً هناك من يكون مستعداً ومتأهباً لملاقاة عدوه عن سابق إصرارٍ وترصدٍ؟ إلّا أنه على مدار الحرب على سورية وفي يومياتها يأتينا الجواب من مختلف الجبهات التي شهدت ارتقاء الشهداء وضمّ ثراها جثامينهم الطاهرة بدمائهم الذكية وكأن حال لسان الشهداء يقول: نعم قاتلنا طوعاً وحبّاً وإصراراً، ليس حبّاً بالقتل والحرب، وليس حبّاً برائحة البارود وفوهات البنادق التي يجب أن تكون وجهتها فلسطين المحتلة ضد عدو غاصب، ولتحرير أي أرضٍ محتلة، ولكن حبّاً بالدفاع عن بلدٍ آمنّا به وآمن بنا.. حبّاً بالدفاع عن غدٍ أفضل أرادوا أن يسرقوه منّا، وحبّاً بالدفاع عن هوية وعن انتماء متأصلٍ ومتجذّرٍ في أعماقنا وفي عمق التاريخ الضارب في جذور هذه الأرض الطيّبة المباركة، لماذا لا نقاتل حبّاً وقد أرادوا تحويل إشراقنا إلى ظلام حالك، وأرادوا أن يمحو تراثنا وثقافتنا وكل معالم الحياة وقيمها؟ لماذا لا نقاتل ونحن أبناء الحياة والأرض والأهم من هذا أبناء الحق؟ ولماذا لا نقاتل وقد قدموا إلينا من كافة أصقاع الأرض تحت دعاوى باطلة تكفلت بها شيوخ الفتنة والتكفير؟
وأيضاً كأن حال لسان الشهداء يقول: لماذا لا نقاتل أحفاد المجرم جمال باشا السفّاح ومن سار على دربه؟ ونحن أحفاد الشيخ صالح العلي وإبراهيم هنانو وغيرهم الكثير ممن سار على دربهم، ونحن ها هنا على الدرب ذاته والنهج ذاته، نهج النصر والشهادة معاً، نهج الوفاء للوطن ولأبناء الوطن على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم وأطيافهم.. نحن الذين يجب أن نقف في وجه من يريد إيقاف الحياة لنعطي الحياة للباقين ولو كانت من فوهات البنادق، وكل حياة لا تأتي من فوهات بنادقنا لا تكون حياة.. نحن كتبة التاريخ وأسياده، والتاريخ هو ما نكتبه نحن، والتاريخ يبدأ من صمودنا وتضحياتنا ونصرنا ومن كل ساحة ومساحة كنا بها مع رفاقنا، ونحن نصنع ونكتب الغد والمستقبل.
أيها الشهداء، أيها الأبرار والأشراف والأطهار، منكم تعلمنا الوفاء، ومنكم تعلمنا الصمود وحبّ الوطن، ولا تزال دماؤكم الطاهرة التي زادت من نقاء اللون الأحمر في علمنا الشامخ وحافظت على خضار نجمتيه ترسم لنا الطريق وتنير لنا عتمة ليلٍ حالك، وستبقى كذلك أبداً الدهر أمانة في أعناقنا نتحدث عنها وندرسها في مدارسنا للأجيال اللاحقة لتدرك التاريخ على حقيقته، ولتدرك انكم من حمى الأرض والعرض.. وننتصر لها كما انتصرتم لنا ولمستقبلنا، وستبقى بطولاتكم وتضحياتكم وساماً على صدورنا وعيدكم يوم للفخر والكرامة والإباء.
أيها الشهداء ربيعكم يُزهر ويملأ الدنيا فرحاً وسعادة، نصراً وصموداً، ونحن على العهد في حماية الحياة التي وهبتموها لنا ولأبنائنا من بعدنا ولأبنائكم وللأجيال اللاحقة، ونحن على العهد في استكمال النصر ودحر الإرهاب.
فسلام الله عليكم أيها الشهداء الأبرار الأطهار، سلام الله عليكم يا مشاعل النور وحرّاس الفجر والربيع، سلام الله على من جعل الربيع ربيعاً مزهراً حقيقياً.