دور الثقافة في حماية التنمية المستدامة في اتحاد كتّاب طرطوس
طرطوس- ثناء عليان:
“دور الثقافة في حماية التنمية المستدامة”، عنوان المحاضرة التي ألقاها الأديب والباحث حسين عجمية في مقر فرع اتحاد الكتاب العرب بطرطوس، الذي أكدّ على أن للتنمية أبواباً متعددة تدخلها الأمم والدول على اختلاف بنيتها وأبنيتها وطريقة تواجدها، ويمكن الدخول إليها من أبواب اجتماعية واقتصادية وسياسية وغيرها، ولكن الوجود التنموي الأهم هو وجود الثقافة، لافتاً إلى أن التنمية المستدامة تتقاطع مع التنمية البشرية من خلال دخول الثقافة كعنصر فاعل في عملية التنمية، وتحديث البنية الفكرية وتنقيتها من براثن الخرافة والتقولب والتطرف بتغيير النهج الثقافي الجامد وإعادة استبدال التفاعل مع الوعي التاريخي، والتركيز على الصعود الاجتماعي الجمعي المرتبط بالتحديث الثقافي، لافتاً إلى أن الثقافة طرحت بقوة كضرورة أساسية لبناء الإنسان على المستوى الأممي من خلال سلسلة من المؤتمرات الدولية.
وبيَن أن السياسات الثقافية المرتبطة بالإبداع لتشكيل أخلاق جديدة مرتبطة بالعولمة وظهور مؤشرات ثقافية يمكن من خلالها قياس إسهام الثقافة في تحسين الوجود الإنساني، وهذه المؤشرات يمكن أن تظهر من خلال إشاعة الحرية واحترام حقوق الإنسان وحرية التعبير والسفر والتسامح الثقافي والتعليم وتأمين المشاركة الثقافية، ورصد الجوائز الثقافية والمعارض والموسيقى والفنون والصناعات الثقافية بكل أنواعها، وحقوق التأليف والنشر والإنفاق العام والخاص على الثقافة وغيرها من العوامل المساعدة لتحسين الوعي الاجتماعي.
وأشار عجمية إلى أن التقرير العالمي المرتبط بالتنوع الثقافي والتعددية والعدالة الثقافية، ارتبط بمجموعة من المؤشرات، أهمها العمل على إلغاء الهوة الفاصلة بين الثقافة والفقر، من خلال العمل على ربط التنمية القائمة في جميع البلدان من خلال توجيهها للحد من ظاهرة الفقر في العالم، وربطها بنظام التثقيف الغذائي في جميع الدول التي نحتاج إلى هذا النوع من التنمية المستدامة.
فالاستثمار الموجه نحو البناء الثقافي والاجتماعي يعمل على تمكين الفائدة من نظام التنمية على المستوى البعيد، لأنه قائم على البناء البشري بالدرجة الأولى والأساسي في أي بناء تنموي جديد، فالتنمية الثقافية للبشر تزيد من قدرتهم على المبادرة في اكتشاف ما هو مهم في عملية التنمية، فالمثقف هو القادر على صناعة حياته بنفسه، وهو القادر على بناء مجتمع قائم على الكفاية الإنتاجية وتأمين العيش الكريم للجميع.
فالعلاقات الناتجة عن البنية الثقافية من خلال التفاعل الاجتماعي هي التي تُشكّل لب حياة المجتمع في نظام الاقتصاد والسياسة والوضع الأسروي والمهني ونظام التربية والتعليم، وضمن هذا السياق تلعب الثقافة كنظام للتخطيط العقلي والبرمجة العقلية تنطبع في عقول الأفراد والجماعات وتتناقل عبر الزمن من أجل تشكيل هوية خاصة يتميزون بها عن غيرهم من الجماعات الأخرى، مع التسليم بوجود عموميات ثقافية تشترك فيها جميع الشعوب.
وبيّن عجمية أن الراغب في التحديث الثقافي عليه أن يؤمن متطلبات تحقيق التنمية بواسطة الدفع الثقافي للوعي الاجتماعي، ولتحقيق ذلك لا بد من توافر مجموعة من العوامل الأساسية المساعدة لهذه الرغبة وأهمها: يجب على الواقع الاجتماعي الناهض عدم السماح لمؤسسات الدولة بالانحسار أمام التكيفات الهيكلية الفاسدة الناشئة في بنيتها والاهتمام بتحرير السوق الاقتصادية، لأن دور الدولة الضامن الأساسي العامل والمحافظ على تطوير مفهومات واستراتيجيات التغيير في الوسط الثقافي، فالدولة مهمتها تكييف هذا الوسط مع المتغيرات الجارية في الوسط العالمي، من خلال تحويل الوعي الثقافي إلى طاقة مبدعة خلاقة، ووضع مخططات عامة للتنمية الثقافية من خلال سياسة تؤكد الأهمية الواقعية نحو التوجه العام للثقافة بصفتها أسلوب حياة للأفراد، وليست معلومات نظرية تخرج من أدمغتهم فقط، كما يجب على الدولة التأكيد بأن الثقافة ليست أفكاراً فلسفية ومنتجات أدبية وفنية إبداعية فحسب، بل هي امتثال منهج وعي تطوري يرتفع دائماً مع كل تجديد في المفاهيم الفكرية والسلوكية للبشر.
وفي ختام المحاضرة أكد عجمية أن الثقافة وعاء الحياة الاجتماعية، والمجتمع موضوع التنمية الثقافية بكل مكوناتها، وهي المسؤولة عن الازدهار، وأهم ما يمكن التركيز عليه هو رفع شأن المرأة في المجتمع، لتكون العامل المكمل للتنمية الثقافية والاجتماعية.