من الشّك الابتدائي إلى الشّك المقرون بالعلم الإجمالي بين مقاصد المُخطِّئة ومقاصد المُصوِّبة
تشرين- ادريس هاني:
ندفع بهذه الشّذرات الموجزة، جُرماً مُكتمل الإركان في استسهال الاجتهاد، مهما تطايرت شظايا مزاعم من تردّى بهم المشهد وتراخى بهم المعنى، فكان الجدل بين طُرشان، والتّنابز بين أغرار، وهو حال البوليميك الذي نشهده في النّقاش العمومي بين دُعاة بلا فقه، وحُدثاء بلا فكر، وفصيلة لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، هائمة في اقتناص فُرص استهبال الخلق، بمفاهيم مقصوفة الرقبة، لا تراعي تاريخ الأفكار ولا تاريخ العقل ولا حَرَمَ المفهوم، لكّنها الفوضى والجهل بأصول التشريع والتفكير معاً.
فكيف بمن جهل كيف يدخل الشكّ طرفاً في تركيب معلوم واقعي على نحو الإجمال، متى يقوم العلم إجمالاً ومتى ينحل تفصيلاً، ومتى يجري الترخيص بحكم العقل، ومتى يرتفع حكم العقل بموجب الترخيص الواقعي؟ حين تغيب فصول هذه المطالب التَي يدركها ذرارينا، ويُحرزها أغرارُنا، فيكون التّلويح ببسائط المفاهيم، وتُصبح حرفة التَّمَجْهُد وليس الاجتهاد، تكلّفا لا ملَكَة، وهذا مشوار ماراثوني يفتقده علماء الجماعات المعنية بالنقاش العمومي حول قضايا اجتماعية، لأنّنا نؤكّد أنّ المنظمات الباسطة ذراعيها بالوصيد، في مجال النقاش العمومي حول الشرع والاجتماع، هي خدعة كبيرة، واشتباك تهريجي بين سُرّاق الله وسُرّاق الأفكار، الكلّ منهم يحيط نفسه بزنّار من اللّفت.
فطُف معي هنيهة في حقول من مسائل الأصول تهييئاً للذهن، لاستيعاب معقول النّقل ومنقول العقل، وفي هذه الجولة إطلالة موجزة على العلم الإجمالي، مُنجزيته وأركان والمُستفاد..
****
في مطلب العلم الإجمالي فائدة لا تُضاهى، قد تغيب عن طالب المبحث نفسه، حين لا يقف عند روح العلم ومراتبه من حيث ما اسْتُيْقن حكماً أو موضوعاً، في الشُّبهة محصورة وغير محصورة، ذلك لأنّ مقام الشّك وهو واحد من ثلاثة مواقف حصرية للمكلف إزاء الحكم، كالقطع، وهو حجة ذاتية ما عدا قطع القطّاع، والظّن، والشّك، وعليه يتفرع على الأوّل، أي الشّك، كما ذهب صاحب الفرائد، حسب تعلّق الشّك بالتكليف أو المُكلف به، فيكون الأول مجرى الاستصحاب والثاني مجرى التخيير والثالث مجرى البراءة والرابع مجرى الاحتياط.
وقبل توضيح مسائله، لا بدّ من ذكر الثمرة الخفية للمطلب من حيث هو تدريب للعقل يعفيه من عوائد القياس، وهو كما ذكرنا في غير ما مورد، أنّ الذِّهن في حالة الجهل يتجه غريزياً للقياس من دون ضابطة أو شروط، بل تعيّن على المنطق أو الأصول أن تدرك أنّ الاشتغال بالصناعة هو ذو غاية بيداغوجية تهدف إلى تهذيب النظر، حتى لا يهيمن عليه القياس أو غريزة القياس، لأنّها سبب الجمود في الفهم والتّلقي، ففي العلم الإجمالي ينفتح العقل على حساب الاحتمال، ويصبح حذراً من تلقّف الموقف عبر القياس، الذي تقتضي موارده قيوداً مشددة وشروطاً مُغلّظة، فمبحث العلم الإجمالي وما يشتبك معه من مسائل، هو من هذه النّاحية تدريب على تحرير الذهن من نزوة القياس، فما زال المبحث إيّاه في نموّ وتطوّر، حتى ليبدو لك المشهور منه يُكبُّ على مناخيره مع بلوغ القول فيه مبلغاً شُجاعاً، فتبدو المسافة بين المشهور والمُستجد مسافة فلكية، فكيف بالمسافة بينه وبين من لا عهد لهم بتفاصيل المطلب؟
وفي العلم الإجمالي، نُدرك مراتب في العلم تصلح في قضايا منطقية وعلمية، من حيث بيان مراتبه وأنواعه، كالقطع طريقياً وموضوعياً، والظن طريقياً أيضاً وموضوعياً، ما هو مُدرك ثبوتاً وما هو مُدرك إثباتاً، أنّ العلم الإجمالي يفتح أفقاً لاستيعاب العلم المركب من علم قطعي به تقوم منجزيته في العمل وبه يقوم الاشتغال عبر القواعد أو الأصول العملية، وكذا الشكّ في أحد أطرافه، كما يطرح سؤال: ما العمل؟
فلو كان العقل مأخوذاً بالقياس، فماذا عساه يفعل في بيان وظيفة المكلف في الغسل، في مقام الشبهة المحصورة، في دوران الماء بين المطلق والمُضاف أو بين الطاهر والنجس أو المغصوب وغيره، فلو قسنا لقُلنا بوحدة الموقف، فأهرقنا الطّرفين قياساً على ما ثبت بالدليل في حال الطهارة والنجاسة، لكن متعلقات الوجوه الأخرى تتجاوز التكليف الشخصي، حيث تكرار الغسل بالمضاف والمطلق غير مؤثّر في مثل هذه الحالة، وفي حال الغصب وغيره لا يحق إهراق ما ليس لك، فالقياس هنا كما في كثير من الموارد ينطلق من عدم تركيب العلم والموضوع، وهذا ما يفيدنا في تطبيق الاحتمال الرياضي وأيضاً العبر- مناهجية في أصول الفروع، لأنها تنطلق من تركيب الواقع وتركيب العلم تبعاً لذلك، ويمكن اعتبار ذلك في مطالب أخرى من الفقه التجاري والاجتماعي وهلم جرّا.
إنّ الشّك الفلسفي الديكارتي، هو في منظورنا- وهي من ثمرات هذا المبحث، بل لعلها تمكننا من تطبيق «الكوجيطو» في مجال العمل لا النّظر فقط- أجل، إنّ هذا الشّك، ليس شكّاً بَدْوِيّاً، ولا هو شكّ غير مقرون بالعلم، بل في الكوجيطو الديكارتي، هناك نوع من إهمال البُعد التركيبي لهذا العلم، فهو شكّ مقرون بالعلم، إذ أدرك ديكارت أنّ هناك مسؤولية أنطولوجية مسبقة حول وجود ما يجب أن يتمّ إحرازه معرفياً بهذا الخصوص، وشكّ في الوجود، وهو ما دَفَعْناهُ بموجب أصالة الوجود المُحَسّ قبل الفكر، لكنه سعى إلى حلّ العلم الإجمالي بإثبات الفكر المتوقف على الوجود، فالمُراد في إيراد المثل هنا أنّ الشّك في الكوجيطو ليس شكّاً خالصاً، بل هو مقرون بالعلم الإجمالي، في ذمّة الشّاك علم واقعي مجمل يقدحه حدس الوجود، لا براءة فيه، أي ما يمكن أن نسمّيه أصالة الانشغال بسؤال الوجود، احتياطاً لإحراز الموافقة الوجودية القطعية، إن شئت أن تقرأ هذا في ذاك، فلو كان شكّا بدوياً لأُعْفِيَ من سؤال الوجود، فالكوجيطو إذن هو محاولة لإظهار ما خفي من يقين، وهو علم مركب من يقين وشكّ، فأُحكم الشّك باليقين، بـ«أنا أفكّر إذن أنا موجود»، الشاهد هنا، هو فكرة تركيب العلم من يقين وشكّ، علم إجمالي سرعان ما انحلّ إلى علم تفصيلي، فهذا في أصول التفكير الفلسفي وتدبير أدلة الأحكام سيان.
وعليه، كانت مسائل العلم الإجمالي وفروعه تقتضي تعرّفاً إليه، فلا يُصار إلى وضع الإجمالي في مرتبة أدنى من التفصيلي، حيث سنواجه في أصول الاعتقاد انقلاباً في التراتبية، حيث يُصبح العلم الإجمالي في مرتبة أشرف من التفصيلي، وذلك لأنّ عجز العقل عن التفصيلي لا مخرج منه إلاّ بالعلم الإجمالي أو القياس الظّنّي، وتلك كانت هي مشكلة المتكلمين في التّنزيه، فثمة من المتكلمين من توقّف في بعض الأمور، كما في العدل تحت ذريعة التنزيه، لكنهم وقعوا في المحظور في موارد أخرى كالصفات، وهم في توقفهم الأول نسبوا إليه الظلم، وفي تفصيلهم الثاني وقعوا في التجسيم وفصل الصفات عن الذّات.
لكن العلم الإجمالي المُشار إليه في مقام جريان الأصول العملية، هو مقابل العلم التفصيلي الذي يخرج عن جريانها، والعلم الإجمالي هنا مردد بين أطرافه، حيث يتعلق الشّكّ بها، والذي هنا لا يعتبر شكّاً بدْوِيّاً، وظيفته العملية أصل البراءة، بل هو شكّ مقرون بالعلم لا فكاك من إلزامه لمنجّزية العلم الإجمالي، أي ما كان وجود العلم في تركيبه من أركان مُنجِّزيته.
لا أريد الوقوف كثيراً عند جريان البراءة، فثمة مسلك ذهب إليه الشهيد الصدر بخصوص أصالة حقّ الطّاعة.
وثمة إشارة مهمّة في المُحاولة الصّدرية، بخصوص حالة القياس التي استُدرج إليها الأصوليون الذين لطالما قاسوا طاعة المخلوق للخالق على طاعة العبد للسيد، لما لهذه الأخيرة من خاصية التعاقدات والاعتبارات، وليست موصولة باستحقاقات واقعية في علاقة الممكن بالواجب في المقام.
وقد دار النقاش بين جريان البراءة في المقام على مسلك قُبح العقاب بلا بيان، وبين حقّ الطاعة الموجب للاحتياط، فالعلم الإجمالي هو مورد الشّك المقرون بالعلم بالجامع، أي شكّ في الأطراف، وعلم بالإجمال بالواقع المردد بين الأطراف، وهذا يعني أنّنا أمام حساب احتمال انطباق الجامع على أحد الأطراف، ومع وجود الجامع المعلوم، إلاّ أن وجه الشّك هنا يقع في ما ينطبق عليه من أفراد العلم الإجمالي، فيكون إن صحّ الوصف علماً مع وقف التنفيذ.
وفي مقام العلم الإجمالي، تقوم المُنجِّزية على موقف العقل الناظر إلى قَطْعِي وجود الجامع، فالقطع حجة ذاتية غير «مجعولة»، وهي مُنجِّزة.
إن كان الجامع أي المعلوم تفصيلاً، منجزاً للأسباب المذكورة، فماذا في وُسعه أن يُنَجِّز؟ أيُنجِّز الأطراف التي يتردد بينها الشّك أم الواقع المعلوم إجمالاً؟ إنّ ذمّة المكلف مشغولة بإحراز الواقع لمقام العلم الإجمالي المنجّز ولحرمة المخالفة القطعية، وعليه لا طريق لذلك سوى بجريان الاحتياط، عبر تكرار الامتثال لطرفي العلم الإجمالي، لأنّ المعلوم إجمالاً هنا أعمّ من العلم الواقعي، فيكون الواقع محرزاً قطعاً مع جريان الاحتياط، ومن هنا قصد الإطاعة يكون متحققاً بتعبير صاحب الرسائل، ومرة أخرى نُذكِّر بأنّ ما يبدو من فقه المقاصد، إن كان يجهل ما هو محرز في العلم الإجمالي، وما هي وجوه الوظيفة العملية للمكلف في موارد الشكّ المقرون بالعلم الإجمالي، فلن يدرك تعقيد الموضوعات وتركّب الأحكام التكليفية والوضعية في المقام.
هذا وبينما تراءى للبعض، كالمحقق العراقي، أنّ إحراز العلم الإجمالي للواقع، يتحقق بالاحتياط، وبه تتحقق الموافقة القطعية، نحا آخرون إلى القول بإحرازه كلا الطرفين، فالأول غايته إحراز الواقع، وما الإتيان بالطرفين سوى لتحقيق غرض إحراز الواقع، بينما الثاني غير ناظر في الواقع لإجماله، بل غايته إحراز الطرفين، وهما غير راجحين للجامع، حيث ينحصر العلم بكليهما على نحو من تساوي النّسبة، وفي إحرازهما تتحقق أيضاً الموافقة القطعية، وهو المطلوب في مقام العمل، هذا بينما نحا البعض – وهو مُختار الشهيد الصّدر – في منجزية العلم الإجمالي إلى التأكيد على الجامع المعلوم والمتعلق بطرف واحد لا كلا الطرفين، ولا الواقع المعلوم بالإجمال، وذلك لتعلق العلم الإجمالي بأحد الأطراف لا أكثر، فمنجزيته هي لطرف واحد، لتعلّق العلم هنا بالجامع وهو العلم بالتكليف بأحد الأطراف، ومعه يتحقق الجامع وفق المُوافقة الاحتمالية.. إنّ العلم المتحقق هنا هو خاصّ بالجامع فلا يجري على ما دونه كالطرفين أو الواقع المعلوم بالإجمال، وحسب هذا المنحى فقد يرتفع العمل بقاعدة قُبح العقاب بلا بيان، بتنجُّز الجامع، وحسب الشهيد الصدر يكون القول الثالث قد احتوى مسلك قبح العقاب بلا بيان، وأيضاً حقّ الطاعة لما به تحقق المنجزية بسبب العلم والموافقة الاحتمالية، وبهذا قضى بأنّ منجزية الجامع متحققة بكلا المسلكين: قبح العقاب بلا بيان وحقّ الطّاعة.
إنّ مجرى قاعدة الاشتغال هو الموقف العقلي من الشّك في حالة الاقتران بالعلم الإجمالي، لكن كما أنّ للعلم مستويات، فأيضاً له تاريخ، فقد يطرأ على العلم الإجمالي ما ينتهي بانحلاله إلى تفصيلي في حال تحقق المُكلّف قطعاً مما كان مجرى العلم الإجمالي أو بوجود دليل خاصّ، كما لو أحرز المكلف علماً بأحد الطرفين في العلم الإجمالي، وبقي الطرف الثاني في مقام الشّك، فالجامع هنا ينحلّ في الطرف الأول بينما في الطرف الثاني يكون الجريان للبراءة الشّرعية لمقام الشّك البَدْوي، فلا ينطبق عليه علم إجمالي مُردّد بين الطرفين، فيتحقق الانحلال الحقيقي، أمّا في حال تردد الشّك بين البدْوي والمقرون بالإجمالي، نظير دوران الشّك بين الأقل والأكثر، ففي حال ثبوت العلم بأجزاء التكليف المُركّب، والشّك في الطرف الباقي مثلاً، تكون الوظيفة العملية لتحقيق الموافقة القطعية قاضية بالإتيان بما هو محلّ قطع، بينما الطرف المتبقي تجري عليه البراءة للشّك البَدْوي على رأي لا يرى وجهاً لجريان الاحتياط عليه، مادام المقام هو مقام انحلال العلم الإجمالي، فالانحلال هنا يعني انحلالاً إلى علم تفصيلي في أحد الأطراف والشّك البدوي في الطرف الآخر، بينما الرأي الآخر يرى ارتباط الطرف محل الشّك مقروناً بعلم إجمالي، فوجب الاحتياط، ولا قيام لمُنجزية العلم الإجمالي مع اختلال أركانه كما سنرى، كما لو تمّ تغيُّر حال أحد الأطراف، فلزم به جريان الاستصحاب بدل البراءة، فيتعذّر تطبيق البراءة، حيث الاستصحاب، ولمقامه الأشرف مقارنة بسائر الأصول، وبما له نحو كاشفية للواقع، في تموضعه بين الأصل والبراءة، كان مقدّماً على سائر الأصول.
وفي بحث ما إذا كان ممكناً جريان الأصول في أطراف العلم الإجمالي، فقد اعترض على ذلك بمُناقضته للموقف العقلي القاضي بعدم الترخيص في المخالفة القطعية، مع أنّ صاحب الحلقات لم ير في الأمر منافاة، بعد أن ميّز بين ما كان حُكماً عقلياً منجّزاً وحُكماً معلّقاً على ورود الترخيص، لأنّه مع وروده يرتفع حكم العقل أصلاً، فحكم العقل هنا معلّق وليس منجّزاً، وبهذا ردّ الشهيد الصدر استدلال المشهور على تنافي تطبيق البراءة على طرفي العلم الإجمالي مع حكم العقل القاضي بالاحتياط.
ويمضي النّقاش في مستوى تعلّق جريان الأصول العملية في طرفي العلم الإجمالي بملاحظة عالم الإمكان الذي هو أوسع من عالم الوُقوع، وهو مردود، نظراً لوجود المعلوم الواقعي إجمالاً، وانشغال الذّمة بالواقعي، فيحصل بذلك اجتماع الحُكمين المتضادين، فهذا الرأي يرفض جريان الأصول على طرفي العلم الإجمالي لهذا السبب، غير أنّ صاحب الحلقات رفض هذا الاستدلال، وذهب في التمييز بين أنواع واعتبارات الحكم مذهباً تفصيلياً، بحيث ما بدا تنافياً بين الحكم الواقعي والترخيص لا يجري على هذا المورد، وذلك نظراً لعدم التنافي بين الحكم الواقعي المعلوم إجمالاً والأصول العملية باعتبارها أحكاماً ظاهرية، وبهذا يكون الشهيد الصدر قد أبطل القول بعدم إمكان جريان الأصول في طرفي العلم الإجمالي، كما ذهب المشهور على أساس ردّ الاستدلال الأوّل، وهو وجود قيد الدليل المحرز والمُعلق الذي يرتفع به حكم العقل مع ورود الترخيص، والاستدلال الثاني، وهو عدم تنافي الحكم الواقعي المعلوم بالإجمال مع الحكم الظاهري الذي يؤمِّنُه الأصل، لأنّ مورد التنافي هو بين الوجوب الواقعي وبين الترخيص الواقعي، وفي موردنا الترخيص ظاهري بسبب الأصل العملي.
وكلّ هذا يتوقّف على تمام أركان العلم الإجمالي، التي بها تتحقق منجّزيته ومن دونها لا تتحقق، وسواء اختلّت كلّ أركانه أو اختلّ واحد منها، فهذا يكفي لعدم منجزيته، وهي الأركان الأربعة كالعلم الإجمالي بالطرفين، وعدم سريانه إلى الأطراف وإمكان جريان البراءة فيهما بالنظر إلى كل طرف في حدّ ذاته، وألا يكون تطبيق البراءة على كلا الطرفين يلزم عنه المخالفة القطعية كما في حال عدم الاقتدار على طرف من الأطراف.
يمشي المُصوِّبة غير آبهين بحقل ألغام تقتضي الاحتمال لا القياس، لأنّ القياس الاقتراني نادر التّحقق في الأصول، وحيث لا تبالي المُصوِّبة بالاحتمال، اختفت خلف ذريعة أنّ للمجتهد مع الخطأ أجر الاجتهاد، فكيف يستقيم اجتهاد من دون احتمال، وآلية فيها يتمّ إحراز الواقع أو على الأقل تعيين الوظيفة العملية لتحقيق المنفعة السُّلوكية وتحرير ذمّة المكلف فيما كان مورد شكّ مقرون بالعلم الإجمالي.