78 عاماً على اندحار المحتل الفرنسي.. سيبقى 17 نيسان يومنا الوطني الأغر.. الوطن حق لا غالب له حتى لو حاربنا العالم كله

تشرين – مها سلطان:

لنبدأ مباشرة من السؤال ذاته الذي يتكرر على مسامعنا في كل يوم 17 نيسان منذ 13 عاماً عندما بدأت حرب إرهابية عالمية على بلادنا، بتخطيط وتدبير وتحضير مسبق استمر لسنوات، حرب لا تزال مستمرة بفصول لا تقل وطأة عن الإرهاب العسكري والتسليحي الذي اعتمده الأعداء والمتآمرون لتدمير سورية وترهيب السوريين.. كل ذلك وسط مسارات تصعيدية تصاعدية في منطقة باتت بمعادلاتها المتغيرة المتفجرة أقرب إلى حرب واسعة النطاق لن تنجو منها أي دولة إذا ما وقعت.

الوطن دائماً على حق.. حتى باطله حق لمن لا يرون إلا النصف الفارغ ويرون أن من حقهم توجيه سهامهم المسمومة له وليس لعدو يتربص به وبهم

إنها لعنة سورية.. لعنة التآمر عليها واستهدافها، دماء السوريين لعنتهم وستبقى.. حتى يستوي مسار الحق مجدداً ليُنصف سورية وأهلها.

أما ذلك السؤال، والمتعلق بشكل أساسي بالاستقلال والسيادة واللذين لم يبقَ منهما شيء بعد تلك الأعوام الـ13 حسب زعم سائليه، أياً تكن أسبابهم وأهدافهم، فإنه لا ينفك مزعجاً بغيضاً وسامّاً وإن كان سائلوه قلة، إنه يضرب على الوتر الوطني الأهم والأخطر، على القلب، قلب الوطن الذي ما زالت طعنات تلك الحرب الإرهابية المستمرة تدميه بشدّة وحدّة، لكنه يأبى أن يتوقف.

– في القوة والضعف

في السراء والضراء، في القوة والضعف، في الهجوم دفاعاً وفي الدفاع هجوماً، لا بد أن نكون مع الوطن، هذه ليست لازمة، هذه حق وطن نعيش على ترابه وننعم بخيراته، وطن هو تاريخنا، ماضينا ومستقبلنا، وطن هو دائماً على حق، حتى باطله حق، بالنسبة لمن لا يرون إلا النصف الفارغ، ويرون أن من حقهم توجيه سهامهم المسمومة إلى الوطن وليس إلى عدو، قريب وبعيد، لطالما كان متربصاً به وبهم.

حتى لو لم يبقَ من الوطن سوى شبر واحد، سيادة واستقلالاً، فهذا الشبر يكفي لنكون أقوى مع الوطن ولنستعيد كل الوطن.

حتى لو لم يبقَ من الوطن سوى شبر واحد.. سيادة واستقلالاً.. فهذا الشبر يكفي لنكون أقوى مع الوطن ولنستعيد كل الوطن

حتى لو لم يبقَ من الوطن إلا كسرة خبز وشربة ماء، ما زالت لدينا سماء وأرض تجمعنا، ووطن إذا لم نربحه (ويربحنا) فلن نجد بعده مؤئلاً.. لا قلب يضمنا، ولا عرين يحمينا، لذلك نموت ليحيا الوطن، ليحيا الأبناء والأحفاء، ليكملوا المسيرة.. وليبقى الوطن، لتبقى سورية الدولة والسيادة، المكانة والقرار.. ليبقى يوم الـ17 نيسان من كل عام، يومنا الوطني الأغر، يوم السوريين الأصيلين الذين يحتفلون اليوم الأربعاء بالذكرى الـ78 على جلاء المستعمر الفرنسي.

نموت ليحيا الوطن حتى لو حاربنا العالم كله، طالما نحن مع الوطن فلا غالب له، ولا غالب لنا.

نموت ليحيا الوطن.. أياً كان شكل ذلك الموت الذي فرضه الأعداء والمتآمرون في هذه الحرب الإرهابية، طالما نحن مع الوطن، ومع أنفسنا، نؤمن به، نذود عنه، ونصمد في معركة التحدي والإرادات، فلا غالب له، ولا غالب لنا.

نموت ليحيا الوطن مهما كثر المتقولون عليه، المشككون والمضللون، المأجورون من ناشري الفتنة ومن ضعاف النفوس ومن المتهاونين والمستهينين والمترزقين. هؤلاء لا يقلون خطراً، بل أخطر، فهم من يسهلون المهمة على العدو، وسواء بسواء الموجودون في الداخل والخارج، هؤلاء من يجب أن لا يكون لهم مكان في الوطن، وإذا ما بقوا فليكونوا منبوذين مدموغين بعار التخاذل والخذلان.

ميزة السوريين اليوم أنهم قادرون على الفرز (داخلياً وخارجياً) وبعقلانية شديدة، بعيدة عن لغة العواطف التي طالما حكمت علاقاتهم ومواقفهم خصوصاً في شقها العربي، علماً أن هذه اللغة لا يُفترض أن تكون حالة سلبية أو أن تكون مُسهلاً، من نوع ما، للاستهداف. لطالما تفاخر السوريون بهذه اللغة ولم يكونوا أبداً في وارد التخلي عنها، لولا الضرورات الملحة التي تقتضي أن نغلبها ولا تغلبنا، فكيف إذا كانت هذه الضرورات حق وطن، حق استقلال وسيادة وقرار، دونها الموت.

– سورية ما زالت الاستثناء

78 عاماً مرت على جلاء آخر جندي فرنسي عن أرض سورية.. العالم تغير مرات عدة، تفككت دول واتحادات، سقطت قوى وصعدت أخرى، اندثرت تكتلات وتشكلت أخرى، وكانت الحروب والأزمات سمة أساسية في كل منها، فيما كان يُفترض أن يكون العالم أكثر سلاماً واستقراراً بعد الحرب العالمية الثانية، وما أنتجه «تحالف المنتصرين» من منظمات ومؤسسات وهيئات دولية في سبيل ذلك.. وما زال العالم يتغير وينقلب من حال إلى حال، وما زالت سمته الأساسية الحروب والأزمات، وما زال لمنطقتنا نصيب من كل حرب وكل أزمة.. وما زالت سورية في الواجهة وفي المواجهة.

موقعها الجيوسياسي لم يكفّ عن وضعها دائماً في عين العواصف الشرق أوسطية.. هي مفتاح المنطقة ومفتاح السيطرة عليها.. منذ غزو العراق 2003 انقلب وجه المنطقة دون أن يستقر، ولا يبدو أن استقراراً سيحدث في المدى المنظور.. «ربيعنا الأسود» ما زال مستمراً، يعصف ويدمر ويدمي.

حتى لو لم يبقَ من الوطن إلا كسرة خبز وشربة ماء.. ما زالت لدينا سماء وأرض تجمعنا.. ووطن إذا لم نحمِه لن نجد بعده موئلاً.. لا قلبَ يضمنا ولا عرينَ يحمينا

رغم ذلك، فإن سورية ما زالت الاستثناء الذي لم يسقط، ولن يسقط، هذا ما بات يعترف به الجميع، وما تعززه تطورات المنطقة، ومعادلات القوة الجديدة التي أفرزتها سورية بصمودها وما حققته من انتصارات. صحيح أن الحرب الإرهابية ما زالت شديدة الوطأة بوجوهها الاقتصادية التي تضني وتنهك السوريين إلا أنها كلما اشتدت كان الفرج أقرب، هذا ما يقوله السوريون ويرددونه تاريخاً وحاضراً، في دليل آخر على قوة صبرهم وإيمانهم بأنفسهم وبوطنهم، ولذلك هم حالة متفردة في كل شيء، في الصمود والنضال، كما كانوا في إنجاز الجلاء وطرد المستعمر الفرنسي كلياً في 17 نيسان 1946(وقبله العثماني) وفي مواجهة الحرب الإرهابية منذ 13 عاماً.

حتى عندما يخرج المتقولون ضعاف النفوس ليتحدثوا عن يوم الجلاء باستهانة زاعمين أننا بحاجة لاستقلال آخر، نقول إن سورية دولة قائمة مستقلة، لم تسقط، وما زالت دولة معترفاً بها دولياً، لم تخسر مكانتها وقرارها، أو حلفاءها الاستراتيجيين، ولم تخسر دورها في أن تكون محور المنطقة وأن تكون المحرك الأساسي، أي البداية لكل ما تشهده حالياً من انقلاب في معادلات القوة لمصلحة دول المنطقة وأهلها، لتكون منطقة مستقلة وسيدة قرارها وخياراتها.. مفهوم ومصطلح الاستقلال والسيادة لا ينطبق فقط على الدول، بل حتى على المناطق عندما تكون في مواجهة التحديات والمخاطر نفسها، وهذه حال منطقتنا بالمجمل، والعربية بالخصوص.

لذلك أيضاً، واستتباعاً لمزاعم الحاجة لاستقلال آخر، نقول إن سورية عندما تتغلب على الحرب الإرهابية، وهذا زمن لن يكون ببعيد.. عندما تتغلب سورية على هذه الحرب وتتجاوزها فهذا سنسميه انتصاراً، وسنحتفي به ونحتفل، كما نفعل في كل 17 نيسان عندما نحتفي بعيد الجلاء ونحتفل.

– رغم الغصّة

لا ننكر أن احتفالاتنا بعيد الجلاء منذ 13 عاماً لا تخلو من الغصّة، لكنها بالمقابل لا تخلو من التفاؤل.. والتفاؤل هو الجزء الأهم في معركة صمود السوريين، وكان الأكثر استهدافاً، ولا يزال.. تحالف المتآمرين والمعتدين لم يفهم يوماً، ولن يفهم، ذلك السر الكامن وراء تفاؤل السوريين رغم شراسة الحرب الإرهابية التي يتعرضون لها.. سر البساطة والطيبة مع إيمان لا يتزعزع بأن «الشعب إذا أراد يوماً الحياة.. فلا بد أن يستجيب القدر».

ولا ننكر بالمقابل أن بقاء الدولة واستمراريتها متماسكة تواجه وتتحدى وتتصدى، رغم الأزمات الهائلة التي أفرزتها الحرب (والتي كانت كفيلة بإسقاط أقوى الدول بما فيه الكبرى عالمياً).. لا ننكر أن ذلك كان له الدور الأكبر، ولا يزال، في استمرار ذلك التفاؤل. السوريون يرون أن وجود الدولة أياً يكن ما يعانونه، وأحياناً بما يتجاوز طاقتهم بكثير، هو العامل الأهم الذي يمدهم بالقوة والاستمرارية في الصمود.. ويعزز ثقتهم بأن الوطن منتصر لا محالة في نهاية المطاف.

وزيادة في تعزيز الثقة، والصمود، يتمسكون بالاحتفال بيوم الجلاء، يتمسكون بيوم يجمعهم تحت سقف وطن واحد، يتمسكون بيوم يستعيدون فيه ما فقدوه ويفتقدونه، عندما كان فرحنا واحداً، عندما لم نكن نسأل عن انتماءاتنا ولم نكن نجادل ونحكم ونتشدد في من يحق له الاحتفال ومن لا يحق له، عندما لم تكن تعنينا الانتماءات، عندما كنا نخجل أن نسأل أحداً عن طائفته أو مذهبة، أو أن تكون لنا أحاديث طائفية أو مذهبية.. بالنسبة لنا كان شريكنا في الاحتفال سوري فحسب.. هذا يكفي، وهذا ما يهم.

– الوطن أولاً وآخراً

وأن نستعيد كل ذلك ليس بالمهمة الصعبة، يكفي أن لا نختلف على الوطن، يكفي أن يكون الوطن بوصلتنا الوحيدة وعندها لن يفرقنا أي خلاف، أي مذهب، أي دين، أي طرف خارجي.. وعندما نتمسك بعيد الجلاء، وبكل محطاتنا التاريخية المشرفة التي أنجزناها موحدين، فلا غالب لنا، ولا غالب لوطننا.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار