لهذه الأسباب يعارض دراما العنف… الفنان والكاتب أحمد السيد: «الصديقات» عمل يواجه التنمر ضد النساء
تشرين- حوار: سامر الشغري:
أربعون عاماً من التمثيل على خشبات المسارح وعبر الشاشات، مهدت للفنان أحمد السيد أن يكون كاتباً من طينة المخضرمين، وأن تشغل أعماله التلفزيونية على قلتها الجمهور والنقاد في آن معاً، وكان آخرها مسلسل (الصديقات) الذي عرض خلال شهر رمضان المنصرم، وكان من إخراج محمد زهير رجب.. عمل يتحيز للمرأة في كل التفاصيل، كما أنه يقدم جرعة عالية من الجرأة، فأبطاله كلهن راقصات مع سوزان نجم الدين وإمارات رزق ونظلي الرواس وديمة الجندي وصفاء سلطان، عملن في فرقة اسمها (القطط)، ولكن تتقطع بهن السبل وتأخذهن إلى دروب متباعدة.
مع التيار
من هذه النقطة بدأت حواري مع الكاتب السيد، لماذا اختار في ثالث تجاربه في الدراما التلفزيونية أن يعطي البطولة المطلقة للنساء، وأجاب عن ذلك بالقول:
((اختياري الشخصيات النسائية كبطلات لتجسيد مسلسل الصديقات كان بسبب ما يتعرض له النساء في مجتمعنا، لقد أدى الظلم الذي طال بطلات العمل أن يعملن كراقصات، رغم أن المجتمع يعتبر هذه المهنة عاراً، ولكنهن اخترنها هرباً من القهر والظلم والاستبداد الذكوري، ووجدت أنه من واجبي أن أدوّن هذه الدراما التلفزيونية على صورة خمس حكايات لخمس راقصات، ابتكرتها من جملة تحليلاتي لشريحة مهمة ومهملة لدى معظم كتّاب الدراما، من غير أن أروج لجسد الراقصة أو جمالها أو هزة خصرها، بل لإنسانيتها المسحوقة من قبل مغتصبي مشاعرها وأنوثتها)).
ولكن الكتابة عن قضايا النساء ألا تعتبر سباحة عكس التيار في دراما سيطرت عليها قصص العنف والجرائم، هذا كان سؤالي الثاني للسيد الذي أكد أنه يسير مع التيار الصحيح وليس عكسه، فالمرأة كما يراها مصدر قوة الرجل، وهي من ربتّه وأعطته من صلابتها وقوتها، وفي داخلها ألف رجل وألف حكاية، ولديها قلب من فولاذ لكنه ينبض بالشفافية والرقة.
فن البيوت
وحول دراما الجريمة والعنف يعتقد السيد أن الدراما فن يدخل بيوت الناس، من أجل أن تريحهم وتوعيهم لا من أجل أن توترهم وتثير أعصابهم بضجيج الأفكار العنيفة.
وحول قدرته ككاتب تقمص عوالم النساء الداخلية عبر شخوصه المكتوبة، رأى السيد أن المرأة بوصفها رفيقة حياة الرجل وتعيش معه كل التفاصيل، سهّل عليه مراقبة وتدوين كل ما يصدر عنها، وتسجيله في ذاكرته وبحيادية ودون أي انتماء ذكوري، من أجل أن يصل إلى صيغة يكون فيها بمثابة القاضي العادل الذي يسمع ويحكم بضمير وحيادية.
وحين سألته عن قلة أعماله في الدراما التلفزيونية رغم أهميتها، كشف لي عن معاناته في هذا الأمر، والذي يوجزه بثلاث نقاط أولها: إنه لا يحمل أفكاره ويبحث عن منتج لها ولا يطرق باب أحد ليقول له إن لديه عملاً يريد تسويقه، ومن يعرفه ويعرف مستوى كتاباته ويطلب منه عملاً يلبيه بعد أن يتفق معه على كل التفاصيل.. وثانيها: لديه أفكار لا تحصى ولكن لا يكتبها إلا حين الطلب.. وثالثها: بأنه لا يحب التعامل التجاري ولا أن يساوم على نتاجه الفكري ويحب أن يحصل على حقه من دون مساومات وجلسات بازار كما يسمونها، فالكتابة عنده تجربة حياتية لا تقدر بثمن..
الحلقة الأضعف
ويشتكي السيد من أن صناع الدراما الذين يعتبرون الكاتب هو العنصر الأضعف في أي عمل درامي، ويستغلونه في أجره ويستبيحون أفكاره ويعدلونها دون الرجوع إليه وأخذ رأيه، وبنفس الوقت يلغى موقعه من نجاح العمل ويجير إلى غيره.
ويسهب السيد في شرح عدم تقدير دور الكتّاب في درامانا، رغم أن النص المكتوب هو العمود الفقري لأي عمل، والكاتب هو من صنع أحداثه ورسم ملامح شخصياته ولكن أجره في هذا المنجز يقل عن أجور ممثلي الأدوار الخامسة والسادسة.
وعما إذا كانت لديه نية في العودة للكوميديا التلفزيونية، ولاسيما أن عمله الأولى “عودة غوار”، كان ضمن هذا النمط الذي نشهد حالياً قلة كتّابه يقول السيد: ((الكوميديا هي ملعبي الذي أستمتع في الخوض فيه، وسأعود إليه ولكن عندما يطلب مني ذلك، ولكن ليس كل من كتب كوميديا أو جسدها قادر على إضحاك الناس، والكوميديا موقف وليست تهريجاً، وأبطالها بشر وليسوا دمى كرتونية يضحكون الناس بحركاتهم وكركتراتهم الهزلية)).
دراما الإذاعة
السيد الذي لا يزال مواظباً في الكتابة للدراما الإذاعية منذ ثلاثين عاماً، ومنها عمله الأسبوعي الجماهيري “محكمة الضمير”، يصف هذا المضمار بالعالم الجميل والذي يشكّل متنفساً كبيراً له ويحقق لديه متعة روحية ونفسية، ولاسيما أنه يلقى التقدير والاحترام من قبل القائمين عليها من الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون ودائرة الدراما الإذاعية، وهذا الذي يجعله متحفزاً لتنفيذ أي عمل درامي تطلبه منه إدارة الدراما الإذاعية رغم أن الأجور ضئيلة جدا.
وفي ختام الحوار سألته عما إذا كان يفضل العمل في التمثيل أم بالكتابة، أجابني قائلاً: ((أنا فنان ممثل وعضو في نقابة الفنانين منذ أربعين سنة، ولكن للأسف عمل الممثل في الدراما التلفزيونية إن لم يكن نجماً هو كعمل المتسول، لذلك وجدت نفسي في الكتابة منذ بداياتي في المسرح والى الآن، وهذا لا يعني أن عملي كممثل قد انتهى بل انتظر من يدعوني إلى مكاني الصحيح))..