العدوان يدخل شهره السادس ويضاعف مآسي الفلسطينيين بـ«مجاعة كبرى».. أي خلفيات وأهداف وراء الحديث عن توجّه أميركي لوقف إطلاق النار من دون انتظار اتفاق الهدنة؟
تشرين- مها سلطان:
شهر سادس من العدوان الإسرائيلي على غزة بدأ اليوم، ليكون كسوابقه الخمسة مفتوحاً على مزيد من الضحايا الفلسطينيين، مُضافة إليه المجاعة التي تهدد مئات الآلاف من النازحين، وهي بالفعل حصدت خلال الأيام الماضية عشرات الضحايا معظمهم من الأطفال.. و«القادم أسوأ» حسب تصريحات المفوض العام لوكالة «أونروا» فيليب لازاريني أمس، محذراً من أن الوكالة وصلت إلى «نقطة الانهيار».
يأتي هذا فيما مفاوضات الهدنة واتفاق تبادل الأسرى ما زالت عالقة، ومن غير المتوقع أن يتم الوصول إلى اتفاق قبل حلول شهر رمضان المرتقب في 11 آذار الجاري.. أما الجديد على هذا الصعيد فهو تداول أخبار حول أن واشنطن تتجه إلى المطالبة بوقف إطلاق النار في غزة سواء تم التوصل إلى اتفاق أو لم يتم، وحسب المتداول فإن وجود وزير الحرب الإسرائيلي بيني غانتس في واشنطن، والخلافات المتفاقمة بين إدارة الرئيس جو بايدن ومتزعم حكومة الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والاتجاه الأميركي نحو توسيع دعم غانتس ضد نتنياهو وصولاً إلى تحييد هذا الأخير.. كلها أمور تصب في تعزيز توجّه واشنطن إلى «فرض» وقف إطلاق النار حتى من دون التوصل إلى اتفاق حول تبادل الأسرى والمحتجزين، وربما تشهد زيارة غانتس في ختامها توافقاً على هذا الأمر وإن كان من دون إعلان، وما علينا سوى انتظار ما بعد الزيارة وعودة غانتس إلى الكيان وترقب ما سيعلنه لنعرف ما إذا كان الذي يتم تداوله صحيحاً أم لا.
التوجه الأميركي الإنساني المزعوم نحو أهل غزة تفضحه التصريحات الأميركية حول الحرج الدولي المتسع والذي يحاصر الولايات المتحدة وكيانها خصوصاً بعد «مذبحة الجوعى»
جديد واشنطن
عملياً طغت زيارة غانتس إلى واشنطن، «التي أثارت غضباً شديداً من نتنياهو، لكونها تمت من دون موافقته»، على مستوى الداخل الإسرائيلي، في ظل اتساع التوقعات من أن إدارة بايدن قد تتخذ موقفاً جديداً خلال الأيام المقبلة، سواء على مستوى حكومة الكيان أم على مستوى جبهة غزة، وهذا ما يقوله الإعلام الإسرائيلي نفسه، خصوصاً بعد «مذبحة الجوعى» التي ارتكبها الكيان بحق مئات الفلسطينيين الذين تجمعوا في دوار النابلسي للحصول على المساعدات.
وكان موقع «والا» الإسرائيلي قد كشف أمس عن انتقادات قاسية وجهتها إدارة بايدن إلى غانتس بشأن الأزمة الإنسانية في غزة، وأن غانتس سمع «رسائل قاسية للغاية» من نائب الرئيس الأميركي كامالا هاريس، ومن جيك سوليفان مستشار الأمن الأميركي، ونقل الموقع عن مصادر إسرائيلية وأميركية مطلعة أن غانتس فوجئ بحدة الانتقادات، وما سموه «القلق» الذي سمعه من كبار المسؤولين الأميركيين بخصوص غزة.
وأضاف الموقع الإسرائيلي: إن «رسالة جميع المسؤولين الأميركيين إلى غانتس كانت أنه يجب إغراق غزة بالمساعدات وأن مهمة إسرائيل هي إيجاد حل لكيفية القيام بذلك».
عودة إلى حديث «الحرب الإقليمية»
للوهلة الأولى يبدو ما سبق موقفاً إنسانياً للغاية من جانب إدارة بايدن، غير أن الجميع يعلم أن مثل هذه المواقف ما كانت لتصدر لولا الحرج الدولي المتسع والذي يحاصر الولايات المتحدة وكيانها خصوصاً بعد «مذبحة الجوعى»، ولولا أن واشنطن ما زالت غير قادرة على التعامل، أو لنقل ضبط المسارات المستقبلية لجبهة غزة على صعيد الإقليم، وحتى لو سلمنا بما يقوله فريق من المراقبين بأن أميركا لا تخشى من الحرب الإقليمية، وقد تكون لها مصلحة فيها، إلا أن هذه المصلحة تتوقف عند حقيقة أساسية لا تستطيع تجاهلها وهي أنها لا تريد حرباً إقليمية تكون مشاركتها فيها مباشرة، بمعنى أن أميركا تريد حرباً بالمداورة/ عبر وكلاء، كما هي جميع حروبها لأن المشاركة المباشرة ليست في مصلحتها، حيث إن تطورات المنطقة، خصوصاً مع بداية العشرية الثالثة من هذا القرن وصولاً إلى انفتاح جبهة غزة في 7 تشرين الأول الماضي، هي تطورات لا تصب في مصلحتها، بل هي تطورات وضعتها في موقع الحلقة الأضعف في المنطقة بمواجهة العديد من الخصوم الإقليميين والدوليين، وتفاقم هذا الوضع مع ما يسمى «الجبهات المساندة» التي تحاصر المواقع والمصالح الأميركية في كل مناطق وجودها، وتضعها بحالة تأهب دائم، لأنها بحالة استهداف دائم.. وما تفعله حكومة نتنياهو هو أنها تعقد الوضع بصورة متسارعة، علماً أن ما تريده حكومة نتنياهو هو نفسه ما تريده إدارة بايدن، لكن الخلاف أو الاختلاف هو على الأساليب وطرق التنفيذ .
أزمة أميركا مع اندلاع حرب إقليمية تتركز في مسألة أنها لا تريد المشاركة فيها بشكل مباشر ولشعورها بأنها باتت الحلقة الأضعف في المنطقة حيث تحاصرها «الجبهات المساندة» وتضعها في حالة استهداف دائم
أين وصل مسار الهدنة؟
الحرج الذي يحاصر إدارة بايدن والكيان الإسرائيلي ليس دولياً فقط بل أميركي أيضاً إذا ما أخذنا بالاعتبار استطلاعات الرأي المتتالية التي تؤكد ذلك، وآخرها استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب» ونشرت نتائجه اليوم، حيث أظهر انخفاضاً لافتاً في دعم الأميركيين للكيان الإسرائيلي وصل إلى 58 بالمئة، خصوصاً بين فئة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً، حيث أظهر الاستطلاع انخفاض تأييدهم للكيان إلى مستوى 38 بالمئة فقط مقابل 64 بالمئة العام الماضي.
وكان استطلاع سابق لصحيفة «وول ستريت جورنال» قد أظهر أن أغلبية الأميركيين يرون أن الكيان الإسرائيلي تمادى كثيراً في عدوانه غزة.
مع ذلك، هناك فريق واسع من المراقبين يرى أن إدارة بايدن لا تضغط على حكومة نتنياهو بما يكفي لتيسير عملية التفاوض على هدنة وعلى اتفاق لتبادل الأسرى والمحتجزين، وصولاً إلى إنهاء العدوان الإسرائيلي على غزة، أو منع الكيان من تنفيذ تهديداته ضد رفح.
وعند هذه النقطة تتوقف عملية التفاوض في كل مرة، ففيما تريد واشنطن وكيانها اتفاقاً جزئياً مرتبطاً بشهر رمضان فحسب، يريد الجانب الفلسطيني اتفاقاً يؤسس لوقف دائم لإطلاق النار، هذا عدا معضلة «اليوم التالي» التي تؤثر بالمجمل في كل تفاوض، بينما يتم تداول مقترح من الأميركيين مفاده إمكانية أن تكون هناك هدنة من طرف واحد ينفذها الكيان خلال شهر رمضان، وتتضمن إدخال «كميات مقبولة من المساعدات الإنسانية» إلى غزة بمساعدة مؤسسات دولية وهيئات محلية «مع احتفاظ جيش الكيان بحق الهجوم على أي تهديد» وإجراء «إعادة تموضع بما يناسبه أمنياً»، ولا تتضمن هذه الهدنة الأميركية تبادلاً للأسرى ولا عودة للنازحين.
لكن هذا المقترح الأميركي كما يبدو لم يأخذ طريقه إلى الكيان الإسرائيلي الذي بدا كأنه لم يسمع به، مواصلاً عملياته العدوانية بحق الفلسطينيين في كل من غزة والضفة الغربية معاً، بما في ذلك استهداف الفلسطينيين الذين يتجمعون للحصول على المساعدات.
«مذبحة الجوعى» مستمرة
وبهذا الخصوص أكد المتحدث باسم الدفاع المدني في قطاع غزة أن جيش الكيان يكرر استهداف الفلسطينيين الساعين للحصول على المساعدات كلما وصلت شاحنات المواد الإغاثية إلى القطاع.
وأضاف المتحدث في بيان أمس: هناك تعمّد لاستهداف الساعين للحصول على المساعدات لإيجاد حالة من الفوضى، مشيراُ إلى أن «طريقة إيصال الشاحنات وظروف الحصول على المساعدات الشحيحة مهينة».
علينا ترقب ما بعد زيارة غانتس إلى واشنطن لمعرفة ما يمكن أن تتخذه إدارة بايدن من «جديد» على مستوى الحرب على غزة وعلى مستوى التعاطي مع نتنياهو
بدوره، قال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة: إن استهداف جيش الاحتلال للفلسطينيين وإطلاق الرصاص الحي عليهم عند وصولهم إلى دوار الكويت للحصول على الطحين والمساعدات الغذائية، هو إمعان في تعزيز المجاعة، وتكريس للحصار، وعدم الرغبة في إنهاء هذه الكارثة الإنسانية».
وأضاف: نحمل الإدارة الأميركية والاحتلال والمجتمع الدولي المسؤولية الكاملة عن تأزيم الواقع الإنساني وتفاقم الكارثة الإنسانية في قطاع غزة في ظل ارتفاع أعداد الوفيات نتيجة الجوع وسوء التغذية والجفاف.
القادم أسوأ
بالتزامن كان مفوض عام «أونروا» فيليب لازاريني قد حذر من أن القادم على غزة سيكون أسوأ من كل ما شهدته خلال الأشهر الخمسة الماضية، وأكد في كلمة له أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أمس أن الوكالة وصلت إلى نقطة الانهيار وأصبحت قدرتها على الوفاء بتعهداتها مهددة بشكل خطر، وقال: إن عدد القتلى في غزة «صاعق» حيث تجاوز عددهم الـ30 ألف فلسطيني في 150 يوماً فقط، وهذا يعني أن 5 بالمئة من السكان ماتوا أو أصيبوا أو فقدوا.. من المستحيل وصف المعاناة في غزة بشكل كاف.. عدا الجوع الذي ينتشر في كل مكان مهدداً بمجاعة.
وأضاف لازاريني: ذبح أكثر من 100 شخص قبل بضعة أيام بينما كانوا يبحثون يائسين عن طعام.. يموت الأطفال، الذين يبلغون من العمر بضعة أشهر فقط، بسبب سوء التغذية والجفاف.. إنني أرتجف بمجرد التفكير بما قد يتكشف من فظائع حدثت في هذا الشريط الضيق من الأرض.
وحذّر من أن «الهجوم على رفح، التي يكتظ فيها ما يقدر بنحو 1.4 مليون نازح، قد أصبح وشيكاً.. ليس هناك من مكان آمن يذهبون إليه».