واشنطن أم الكيان مَن يستغل مَن؟.. أميركا رهينة منطقة حافلة بالمفاجآت.. ارتباك وإخفاق في التعامل مع تطورات لم تحسبها جيداً
تشرين – مها سلطان:
لايزال «اليوم التالي» كما يريده الكيان الإسرائيلي غير متاح، ولا تزال الولايات المتحدة الأميركية عاجزة عن جعله متاحاً للكيان، برغم كل ما تقدمه من دعم مطلق له، عسكرياً وسياسياً، وعلى مستوى الضغوط التي تمارسها على الجميع في المنطقة «ودولياً».. وربما هذه هي المرة الأولى في تاريخ صعودها العالمي التي تبدو فيها أميركا وقد أسقط في يدها كلياً تجاه قضية، أو لنقل منطقة تشهد فيها تمرداً / انقلاباً كاملاً، منطقة هي الأكثر أهمية وخطورة بالنسبة لها، ولا فرق هنا بين اتجاهين لهذا التمرد، أحدهما مُعلن مباشر، والآخر مُستتر يُناور، فكلا الاتجاهين ينتهيان إلى نتيجة واحدة وهي تحييد النفوذ الأميركي لمصلحة منطقة جديدة أكثر توازناً في علاقاتها مع القوى والأطراف الدولية.
ولأن أميركا أكثر من يدرك ذلك، فهي تنظر إلى جبهة غزة – المفتوحة منذ خمسة أشهر تقريباً – كفرصة بقدر ما تنظر إليها كتهديد وجودي.. بدوره الكيان الإسرائيلي يستغل هذا الوضع الأميركي ويستثمره لمصلحته، ومن خلال ربط المصير الأميركي في المنطقة بمصيره، فإذا لم يتحقق «اليوم التالي» كما يريده فإنه سيمضي في حربه الدموية ضد قطاع غزة وأهله «انتقالاً إلى الضفة الغربية» وبصورة أكثر وحشية، ولن يتوانى عن تدميره بالكامل على رؤوس أهله، من دون مخافة من محاسبة دولية /قانونية أو أخلاقية/، وبما يجبر العالم كله، وليس الإقليم فقط، على التسليم بما يريده هذا الكيان في سبيل إيقاف مجزرته الوحشية بحق أهل غزة، ولنا في المجازر التي ارتكبها في حي الزيتون أمس مثال صارخ، حيث دمر طيران الكيان المنازل على رؤوس أهلها مع احتدام المعارك على الأرض مع فصائل المقاومة الفلسطينية.. ولن تكون هذه المجزرة الأخيرة ضمن سلسلة الجرائم ضد الإنسانية التي يرتكبها الكيان منذ اليوم التالي لعملية طوفان الأقصى في 8 تشرين الأول الماضي، وهو يرتكبها عمداً بهدف تثقيل فاتورة الدم، وبما يجبر الشعب الفلسطيني على التنازل والاستسلام والرضوخ إلى شروط إنهاء الحرب كما يريدها الكيان وداعمه الأميركي.
هذه هي المرة الأولى في تاريخ صعودها العالمي تعجز فيها أميركا عن الإمساك بزمام أحد أخطر مناطق نفوذها حيث تواجه منطقة تتشكل من جديد وفق علاقات أكثر توازناً مع القوى الدولية
موعد الإثنين المقبل
وإذا كان هذا «اليوم التالي» لا يزال غير متاح، فهذا يعني أيضاً أن لا هدنة قريبة، إذا ما اعتبرنا أن مسار التفاوض الحالي حولها يرتبط مباشرة كتمهيد أو كأحد ترتيبات «اليوم التالي» وهذا سبب رئيسي في فشل مسار التفاوض، والمتوقع استمرار الفشل رغم كل ما يصدر من تصريحات حول إمكانية التوصل إلى هدنة، خصوصاً قبل حلول شهر رمضان المبارك، المرتقب في 11 آذار الجاري.. حتى إن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، نفسها، تراجعت بشكل غير مباشر، عن تصريحات سابقة له قال فيها إنه من المتوقع التوصل إلى هدنة بحلول يوم الإثنين المقبل.
المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي جون كيربي، أكد أنه لا يوجد أي اتفاق، حتى الآن، حول وقف طلاق النار في غزة، مشيراً إلى أنه «لا يزال هناك الكثير لعمله».
وكان بايدن صرح، أمس الثلاثاء لشبكة «إن بي سي نيوز» خلال برنامج تبثه القناة، بأنه يأمل بوقف إطلاق النار في غزة بحلول يوم الإثنين المقبل، وقال: مستشاري للأمن القومي يقول لي إننا قريبون، نحن قريبون، ولم ننته بعد، إنه طريق صعب وآمل أنه بحلول الإثنين المقبل سيكون هناك وقف لإطلاق النار.
وأضاف بايدن أن «إسرائيل» وافقت على عدم القيام بأنشطة عسكرية في قطاع غزة خلال شهر رمضان، وتابع فيما يتعلق بعملية تبادل الأسرى والرهائن قائلاً: يجب أولاً إطلاق سراح الأسرى والرهائن، معتبراً أن على «إسرائيل» أن تستغل الفرصة لتحقيق السلام لنفسها وللفلسطينيين.
وأشار بايدن إلى أنه «إذا تم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار المؤقت فيمكن إحراز تقدم في اتجاه مختلف»، وأنه في مثل هذه الحالة «يمكن التوصل إلى حل الدولتين».. محذراً من أن «إسرائيل» تخاطر بفقد الدعم من الأميركيين وبقية العالم مع استمرار سقوط قتلى فلسطينيين بأعداد كبيرة.
جدير بالذكر هنا أن الهدنة التي يتم التفاوض حالياً حولها، مدتها 40 يوماً، وعلى ثلاث مراحل.
– الدعم الأميركي
وحسب الإعلام الإسرائيلي فإن الكيان تفاجأ بهذه التصريحات لبايدن خصوصاً ما يتعلق بموعد يوم الإثنين المقبل للتوصل إلى هدنة، وبمسألة فقدان الدعم، ورد متزعم حكومة الكيان بنيامين نتنياهو بالقول بصورة غير مباشرة إنه يقاوم باستمرار الضغوط لإنهاء الحرب قبل الأوان، نافياً مسألة خسارة الدعم الأميركي الذي تحدث عنه بايدن، وقال إن مواقفه تحظى بدعم شعبي أميركي «وهو ما يساعده على مواصلة الحرب حتى تحقيق النصر الكامل».
الكيان الإسرائيلي يستغل الوضع الأميركي الحرج ويستثمره لمصلحته من خلال ربط المصير الأميركي في المنطقة بمصيره فإذا لم يتحقق «اليوم التالي» فكلاهما في الهزيمة سواء
ولفت إلى استطلاع للرأي أظهر مؤخراً أن 82 في المئة من الأميركيين يؤيدون الكيان الإسرائيلي، متجاهلاً كل التقارير والبيانات التي تتحدث عن الموقف الانتخابي الحرج لإدارة بايدن، بسبب دعمها الكيان الإسرائيلي في مجازره المتواصلة ضد الفلسطينيين، وهذا يظهر واضحاً في مسار الانتخابات التمهيدية، وأحدث مثال في ولاية ميتشيغان أمس، والتي ظهر فيها ارتفاع حجم المعارضة لدعم إدارة بايدن للكيان الإسرائيلي، وبصورة فاقت بدرجة كبيرة توقعات الحزب الديمقراطي ومرشحه الرئيسي – حتى الآن – جو بايدن.
ثلاث جبهات
في السياق ذاته، اعتبر الكاتب الأميركي المعروف توماس فريدمان أن الكيان يخسر على ثلاث جبهات في وقت واحد، في غزة، والإقليم، ودولياً، وقال في مقال له في صحيفة «نيويورك تايمز» إن الكيان «يخسر السرد العالمي لمسألة أنه يخوض حرباً عادلة»، مشيراً إلى أنه ليس لديه خطة للخروج من غزة، وهو سيغرق في نهاية المطاف في رمالها مع احتلال دائم من شأنه بالتأكيد تعقيد العلاقات التي يأمل الكيان نسجها مع أطراف في المنطقة، ومع آخرين في جميع أنحاء العالم.
وحسب فريدمان، هناك حل واحد من شأنه أن يساعد على الجبهات الثلاث وهو «حكومة إسرائيلية مستعدة لبدء عملية بناء دولتين».
فريدمان وفي رسالة إلى الرئيس الأميركي والكيان الإسرائيلي، قال إنه يرى التآكل السريع المتزايد لتأييد «إسرائيل» عالمياً ومعها مكانة أميركا. وقال محذراً: لا أعتقد أن الإسرائيليين أو إدارة بايدن يقدّرون تماماً الغضب الذي يتصاعد في جميع أنحاء العالم، والذي تغذيه وسائل التواصل الاجتماعي واللقطات التلفزيونية، بسبب مقتل آلاف المدنيين الفلسطينيين، وخاصة الأطفال، بالأسلحة التي توردها الولايات المتحدة لـ(إسرائيل)».
وأشار إلى أنّ دعوات منع «إسرائيل» من المشاركة في المسابقات أو الأحداث الأكاديمية والفنية والرياضية الدولية تتصاعد يومياً، كما لفت إلى أنّ حلفاءها يصلّون من أجل وقف إطلاق النار حتى لا يضطروا إلى أن يسألهم مواطنوهم أو ناخبوهم – وخاصة الشباب منهم – عن الأسباب الكامنة وراء عدم مبالاتهم بهذا العدد الكبير من الضحايا.
وختم فريدمان: «مع تزايد أعداد الضحايا الفلسطينيين بدأت تبدو العملية وكأنها مفرمة لحم بشرية، هدفها الوحيد هو تقليل عدد السكان حتى تتمكن (إسرائيل) من السيطرة على القطاع بسهولة أكبر».
ماذا يعني بيان «اليونيفيل» عن «تحول مقلق على الحدود».. هل هو تحذير أم توصيف ولمن تتوجه به في ظل التهديدات الإسرائيلية ضد لبنان؟
تحذيرات «اليونيفيل»
وحول خسارة جبهة الإقليم، لفت المراقبون إلى البيان الذي أصدرته «اليونيفل» أمس الثلاثاء، والذي تحدث عما أطلق عليه اسم «تحول مقلق» على الحدود بين لبنان والكيان الإسرائيلي، والذي من شأنه أن يكون خطيراً على مسار التهدئة في غزة.
وقال البيان: إن الأحداث الأخيرة على الحدود «أودت بحياة عدد كبير جداً من الأشخاص وألحقت أضراراً جسيمة بالمنازل والبنى التحتية، كما عرضت سبل العيش للخطر وغيرت حياة عشرات الآلاف من المدنيين».
والمقصود هنا التصعيد المتسع الذي تشهده حدود لبنان الجنوبية / مع شمال الكيان الإسرائيلي/، والذي ينذر بالأسوأ خصوصاً مع استمرار التهديدات الإسرائيلية بأن جبهة لبنان لن تكون ضمن أي تهدئة/ هدنة/ سيتم التوصل إليها، وأن التصعيد الإسرائيلي على هذه الجبهة سيستمر حتى لو تم التوصل إلى هدنة.