ليس رومانسياً

حين خرجت المدن السورية الكبيرة من قبضة الإرهاب: محيط العاصمة “دمشق” و”حلب” وحمص” و”دير الزور” وتوقف وابلُ القذائف، تنفّست دُور النشر الصعداء وواصلت المنابر نشاطها لتعود إلى الأسماع القصائدُ وتُطبع القصص والروايات وكلها وليدةُ حقبة الحرب المستمرة حتى هذه الساعة، وهي حربٌ عاشها كلُّ سوري بصرف النظر عن وجوده في مدينة أو قرية أو مزرعة أو بادية أو على مقعدٍ دراسي من المرحلة الابتدائية إلى ما بعد الجامعة!
يصحُّ في الحرب التي ذُقنا ويلاتِها وصفُ الضّروس، لكنها تبدو في القصص والروايات “الحديثة” موضوعاً روائياً خفيف العبور، ويواصل الكتّاب، وخاصة “الكاتبات” استدعاءَ الهموم الوجدانية والصراع الاجتماعي لإثبات الذات، كأن كلَّ التفاصيل الدامية التي مرت على البلد، أغنيةٌ مما يُدعى “الزمن الجميل” تثير عند سماعها، مصادفةً أو قصداً، حنيناً وأسى! وفي الفضاء الأدبيّ رأيٌ يقول إنّ الكتابة عن الحدث، تكون أفضل وأنضج بعد مروره الزمنيّ حيث تتضح الرؤية وتنجلي الأسباب وتتبلور الأحداث، فهل خضع كتّابُنا المحدَثون لمثل هذا الاختبار بشكلٍ عفوي وكانوا مثل “توليستوي” حين كتب روايته “الحرب والسلام”؟ وهذا الكاتب كان يطالع المراجع ويجمع الأخبار المكتوبة والمروية عن أراضٍ شاسعة هي وطنُه لتختمر لديه الأفكار والرؤى، وقد اختبر الحربَ واقعياً في جزيرة “القرم” وأبدع مجموعته “سيباستوبل”! لقد أتيح لكتَّابنا دفقٌ كبيرٌ من الأخبار والمشاهِد والقصص الحقيقية التي لا تحتاج للاسترجاع الشفويّ والتحقّق لأن العالم قد تغيّر وحضرت “الميديا” في أدق تفاصيله، ومع ذلك تأخر “الأدب” عندنا عن اللحاق بالصحافة والمؤسسات التي كانت تسجّل الوقائع وتؤرشفها وتحميها من الضّياع والتبدُّد والنسيان، وربما من حسن طالع الإنسانية وجود الصحافة لحفظ وقائع الشعوب (حين أراد “أورهان باموق” الكتابة عن “استانبول” لجأ إلى أرشيف صحافتها في القرن التاسع عشر حيث وجد روحها والتقطها ليقول عنها ما قاله في رواية رفعته إلى مرتبة كبار الكتّاب في العالم)! ومن حقائق الثقافة البشرية أن لكلٍّ دوراً لا يقوم مقام غيره لكنه قد يكمله: الصحافة لا تغني عن الأدب، والأدب لا يغني عن الصحافة!
بعد مرور العشرات من القصص والعديد من الروايات وكلُّها وليدة عشر سنواتٍ مضت إلامَ يحتاج أدبُنا الذي لم يُنصف نفسه في الحرب الضارية التي عشناها قبل أن ينصفها هي، وبدا كأنه يتعامل مع سخونةٍ عابرة أو حدثٍ يمرُّ في أرض أخرى؟ نحتاج إلى حركة نقدية شاملة تبحث عن قمحٍ نضرٍ لتخرجه من غَمْر هذا الزؤان!

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
إجراء أول عمليتي زراعة حلزون ضمن برنامج الكشف والتدخل المبكر لنقص السمع عند حديثي الولادة بحضور وزير الإعلام.. ندوة حوارية في وزارة الخارجية عن سمات وخصائص العلاقات السورية- الروسية بمناسبة مرور 80 عاماً على إقامتها وزير الزراعة السوداني يطلع على التجارب الزراعية لـ"أكساد" في اللاذقية لليوم الثاني.. مؤتمر الباحثين السوريين المغتربين 2024 يتابع أعماله.. رؤية جديدة لتأهيل الطلاب والاستثمار في الفكر البشري «سديه تيمان» والوحشية الإسرائيلية التي لا حدود لها.. المنطقة تترقب جهود الاحتواء الدولية و«رد» الكيان ما زال رهن مخاوفه بهدف اختبار الأداء والجاهزية.. البحرية الروسية تجري تدريبات قتالية بمشاركة أربعة أساطيل من السفن ووحدات الطيران البحري «الأم السورية شمس لا تغيب» فيلم «ديكودراما» يوثق دور المرأة السورية خلال سنوات الحرب أهمها تدهور الذاكرة والإدمان.. تأثير العالم الافتراضي في الصحة غير مسبوقة منذ سنوات.. تقديرات إنتاج الفستق الحلبي لهذا العام تفوق ٧٧ ألف طن ١٥.٧ مليار ليرة ديون تأمينات حماة على القطاعين العام والخاص  و ١٣ ملياراً  تحصيلات