“ناطور بناية”
بينما هو متسمّر وراء الشاشة الزرقاء يتصفّح بعض المواقع والصفحات، استوقفه إعلان مضمونه “مطلوب ناطور بناية”، وهو الذي لا ينقصه من الشهادات والمكانة الاجتماعية أن يكون في مراتب متقدمة.
توقّف مليّاً عند هذا الإعلان وقارن بين الميزات التي سيحصل عليها صاحب الحظّ في الحصول على ذلك العمل، وما يحصل عليه هو من وظيفته.
ومع الأسف رجحت الكفّة لصالح الأول، الذي سيكون من أولى ميزات عمله الحصول على مسكن في منطقة راقية طيلة فترة عمله، و بـ”بلاش”، وعلى راتب شهري وما لذّ وطاب مما سيجود به أهل “البناية”، ولكل خدمة إضافية حساب، ولم يعد خافياً أنّ بعض “النواطير” حوّلوا أماكن إقامتهم إلى مايشبه “سوق سوداء مُصغرة ” يجد فيها سكان البناء أو جوارهم كل ما يطلبونه من “الغاز و المازوت” وغيرهما مما لا نستطيع الحصول عليه، إلّا بشقّ الأنفس.
عادت به الذاكرة إلى استحضار كيف سهر وتعب إلى أن حصل على شهادته، بينما تراه اليوم يعيش في بيت استنزف أجاره كل دخله.
وهنا كانت الحسرة أكبر على سنوات طوال ذهب سدى أمام العجز عن الإيفاء بمتطلبات المعيشة.
نعم من الموجع أن نرى البعض مهما كان موقعه الاجتماعي وشهاداته، يتحسّر على عجزه ويقارن بين عمله وأي عمل آخر لا يليق بسنوات تعبه لنيل شهادة تجعله متقدماً في مجتمعه، وفي النهاية سيكون موظفاً براتب قد لا يكفيه لأيام فقط. كما أنه لن يتمكن من امتلاك بيت صغير ولو في مناطق العشوائيات، فحتى هذه صارت أكبر من الحلم بكثير، لذلك سيبقى شبح المستأجر يطارده ويطرق بابه دورياً للحصول على الأجار، بل ورفعه كلما سنحت له الفرصة.
لا ننسى أن بعض الجهات أخلّت بوعودها، وتأخرت كثيراً في تسليم المنازل لمكتتبيها، بل وفرضت عليهم مبالغ باهضة، والكثيرون منهم بدأ حلمهم بالتبخّر، فهاهم يعرضونه للبيع بمالا يعادل ربع ما سدّدوه على مدى سنوات.
كما لا ننسى أنّ بعض النقابات والاتحادات والجهات التي تنضوي ضمنها شرائح معينة تخلّت هي الأخرى ومنذ سنوات عن مشاريع السكن لشريحتها، بل أشاحت النظر عن الموضوع برمته.
ترى ألّا تستحق كل شريحة وكل منتسب إلى اتحاد أو نقابة أن تسعى نقابته أو اتحاده إلى “ستره” ببيت يؤويه بأقساط ميسّرة وليست تعجيزية، بدل أن يبحث عن ذلك الملاذ خارج حدود الوطن؟
فها هي نسبة كبيرة من شبابنا وأصحاب الشهادات يبنون مستقبلهم مع عائلاتهم في الغربة، والباقون على الدور بانتظار الفرصة ليتبعوهم، أليس ذلك خسارة كبيرة للبلد؟
إعادة إعمار بلدنا يجب أن تكون بيد أبنائه، الذين كبروا وتعلّموا فيه، فلنحافظ على ما تبقّى منهم، قبل أن تستقطبهم جميعاً بلدان أخرى “على الجاهز”!.