متلازمة «أسبرجر» تصيب الذكور أكثر من الإناث وتسبب العزلة والانطوائية عند الأطفال
تشرين- بشرى سمير:
وقفت الطفلة (هبة) ذات التسع سنوات في زاوية باحة المدرسة تساعد زميلاتها وهن يلعبن ويمرحن، وعند سؤالها عن سبب وقوفها هكذا وعدم مشاركتها لهن قالت إنه ليست لديها صديقات وإنها تشعر بالخوف والارتباك عند وجودها مع عدد كبير من الناس.
حالة هبة هذه تسمى في علم النفس متلازمة «أسبرجر» وهي نوع من أنواع اضطرابات التوحد حسب الاختصاصية النفسية والاجتماعية ناديا صعب التي أشارت إلى أن من أبرز ما يميز الطفل المصاب بمتلازمة أسبرجر هو صعوبةً تكوين الصداقات الجديدة، أو الشعور بالخوف عند وجوده في مجموعات كبيرة من الأشخاص أو يقتصر حديثه على الأشخاص المألوفين لديه والذين يشعر بارتياح لهم.
نوع من التوحد
وتعرف صعب متلازمة أسبرجر بأنها أحد الاضطرابات النمائية الشاملة، وتصنف ضمن مرض طيف التوحد الذي غالباً ما يتم اكتشافه في مراحل متأخرة من الطفولة أو بداية مراهقة، مع أن هذه المتلازمة تبدأ بمراحل مبكرة من العمر تتراوح بين فترة الرضاعة وفترة الطفولة المبكرة، وتنتمي متلازمة أسبرجر إلى طيف من الأمراض النفسية العصبية يدعى طيف الاضطرابات التوحدية، وتتميز هذه المتلازمة بشكل عام بالانعزالية، وتشخص للأطفال بعمر بين السنتين والـ6 سنوات، ونسبة إصابة الذكور إلى الإناث (4 ذكور مقابل أنثى).
ذكي وغريب الأطوار
وتوضح الدكتورة النفسية روان الرز أن المصاب بمتلازمة أسبرجر يجد صعوبة في التواصل الاجتماعي والاندماج مع أقرانه والتكيّف مع الحالات الشعورية المختلفة، من فرح وحزن ونجاح وفراق، ويتميّز بأنماط سلوكية غير شائعة أو ردود فعل توصف بأنها غريبة، وقد يوصف الطفل المصاب بهذه المتلازمة بأنه نشيط لكنه غريب أو لطيف لكنه انطوائي، أو ذكي ودقيق الملاحظة لكنه مهووس، أو لا يستطيع التعبير عن ذاته، وذلك بسبب القلق وصعوبة التواصل الاجتماعي الناتج عن إصابته بمتلازمة اسبرجر .
أعراض
وتبين الدكتورة الرز أن أعراض متلازمة أسبرجر تختلف من فرد إلى آخر، وقد لا تظهر جميعها أو معظمها لدى الفرد الواحد، لكن الأعراض الأكثر انتشاراً هي: صعوبة تكوين الصداقات، حيث يجد المصابون بمتلازمة أسبرجر صعوبات جمة في تكوين الصداقات، وقد لا يستطيعون التواصل مع أقرانهم بسبب افتقادهم المهارات الاجتماعية اللازمة للتعامل مع الآخرين ومهارات التكيف الضرورية للاشتراك في العمل الجماعي أو للانخراط في المجموعات.
وتضيف الرز: غالباً ما يكون المصابون بمتلازمة أسبرجر يميلون إلى الصمت، ولا يفضلون الحديث إلا مع المقربين منهم، وقد يتجنبون الحديث مع الغرباء أو قد يتنحون جانباً في المجموعات ويكتفون بالابتسامة أو يلهون أنفسهم بعمل أشياء أخرى.
كما قد يجد المصابون بمتلازمة أسبرجر صعوبة في تفسير تعابير الوجوه أو فهم المشاعر والعواطف وردود الأفعال، وهذا يؤدي إلى قلق اجتماعي من شأنه أن يسبب صعوبة في اختيار العبارات الصحيحة أو ردود الفعل الصحيحة لبعض المواقف، فيختار المصاب بأسبرجر الانطواء والحياد، ومن أعراض الإصابة، حسب الرز، تركيز مرضى أسبرجر على اهتمامات محددة وواضحة لأنها تدفع عقولهم للتركيز وتخلصهم من حالة التشتت والقلق الاجتماعي فتبث فيهم شعوراً بالراحة.
وهذه الاهتمامات تتركز عادة في نشاطات فردية كالرسم أو الكتابة أو النحت أو التكنولوجيا، وتكون مصدر راحة كبيراً إذا لاقت نجاحاً، إلا أنها تسبب الفجيعة والكربة إن فشلت أو إن أجبر المصاب على تركها.
حب الروتين
وترى الدكتورة الرز أن الالتزام بالروتين يبعث الراحة في نفس المصاب بأسبرجر، واتباع جدول صارم نوعاً ما يعالج مشكلة القلق والإرباك التي يعاني منها المصاب الذي يشعر بضغط كبير إذا حصل أي تغيير على الروتين أو يفزع في حال تعرض لموقف جديد.
لا شفاء تام
وعن طرق العلاج تشير الدكتورة الرز إلى أنه يجب التدريب على المهارات الاجتماعية، من أجل تحسين التفاعل مع الآخرين عن طريق استخدام المرآة والوقوف أمامها والتحدث بصوت عال كأنه يخاطب شخصاً أمامه، ومن شأن هذا التمرين أن يُشعر المصاب بالراحة في الحديث للمرات القادمة، ويحسن من استعداده للمواقف الاجتماعية القادمة، إضافة إلى ممارسة تمارين التنفس والاسترخاء والتمارين الحسية الحركية وممارسة الرياضة، حيث تؤدي الرياضة والجهد البدني إلى إفراز هرمونات الاسترخاء والسعادة وتقلل من الشعور بالقلق والإنهاك النفسي، فتضع المصاب في حالة من الراحة والثقة، ويجد الشجاعة اللازمة للقيام بالمهام الاجتماعية.
ولفتت الرز إلى أن المصاب بأسبرجر قد يلجأ إلى العلاج بالأدوية، مثل: مثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية، ومضادات الذهان من خلال طبيب مختص أو للعلاج النفسي من خلال مركز متخصص، وبالرغم من أنه لا يمكن الشفاء التام، لكن العلاج قد يساعد في تقليل الأعراض بنسبة كبيرة ومساعدة المصاب على الاستمرار في حياته بصعوبات أقل وبشكل طبيعي قدر الإمكان.