المثقف الحر ومعاناته.. من حكايات أبي حيان التوحيدي
تشرين- د.رحيم هادي الشمخي:
“أمسيت غريب الحال، غريب اللفظ، غريب الخلّ، مستأنساً بالوحشة، قانعاً بالوحدة، معتاداً الصمت، ملازماً للحيرة، محتملاً للأذى، يائساً من جميع ما ترى” هذا ما قاله (أبو حيان التوحيدي) حين أقدم على حرق كتبه في ظروف عصيبة ومؤلمة من الفاقة والجوع والحرمان، فضلاً عما لاقاه من الناس وأقرانه ورجال الدولة من عداء وصدّ وعنت.. فنراه يبث شكواه إلى واحد من أصحابه فيقول: «والله ما يكفيني ما يصل إليّ في كل شهر من هذا الرزق المقتر الذي يرجع بعد التقتير والتيسير إلى أربعين درهماً، مع هذه المؤونة الغليظة والسفر الشائق والأبواب المحجّبة، والوجوه المقطّبة، والأيدي المسمّرة، والنفوس الضيّقة، والأخلاق الدنيئة».
نذكر أن ياقوت الحموي أفرد لأبي حيان التوحيدي في معجمه (معجم الأدباء ترجمة فريدة ووافية، أشاد فيها بعلمه وبلاغته، واصفاً إياه بفيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة، وهي مقولة ستصبح لقباً للتوحيدي فيما بعد: «هو شيخ الصوفية وفيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة، ومحقق الكلام، ومتكلم المحققين وإمام البلغاء، وهو مع ذلك فرد الدنيا الذي لا نظير له ذكاء وفطنة، وفصاحة ومكنة، كثير التحصيل للعلوم في كل فن حفظه، واسع الدراية والرواية».