الموسيقا وملازمتها للحروب منذ أن دُقّت الطبول لأول مرة
تشرين- إدريس مراد:
الموسيقا في الجيش تمثل إحدى الدعامات القوية التي تبني عليها سلطات الدول، سواء في السلم أو في الحرب، ويعدّ الطبل والبوق من أهم مقومات الموسيقا العسكرية، فمنذ أن ابتكر الإنسان الطبول وهو يستخدمها حتى الآن كنداء إلى القتال، ولعلّ هذا كان مصدر القول الشائع “دُقّت طبول الحرب”.
وبينما تتخذ القبائل الاستوائية الآن من الطبول نداءها الوحيد للرجال، نجد أنّ الجيوش الحديثة تستخدم الطبول في أغراض كثيرة كتنظيم سير الجنود أو جمعهم أوصرفهم أو في التمرينات الرياضية وغيرها.
أمّا البوق بصوته القوي والجهوري، فإنّه دائماً الوسيلة الحاسمة لنقل نداء القائد إلى الجنود المنتشرين هنا وهناك.
لكلّ نغمة مُهمة:
وللبوق أنغام خاصة ثابتة يعبّر كل منها عن رغبة وأمر معين، كالنداء إلى النوم أو إلى اليقظة أو إلى الطعام أو إلى تحية العلم، ويحفظ الجنود في جميع أنحاء العالم نداءات جيشهم عن ظهر قلب.
وما يذكر عن أهمية البوق أو البوري كما يسميه البعض في الحروب، أنّ إحدى الفرق الإنكليزية كانت تسير في طابور طويل مخترقة منطقة جبلية، وكان الثوارالهنود يتربصون من أجل الانقضاض على الثعبان الإنكليزي الطويل وتقطيع أوصاله، وبدأ الهنود يزحفون فشعربهم حارس الفرقة، وكان من حملة البوق، وتمكّن من أن ينفخ نداء الخطر، وكان له الفضل في إنقاذهم، إذ تمكنت في الوقت المناسب من الاصطفاف على شكل مربع، يواجه كل ضلع منه جانباً من الثوار المهاجمين.
موسيقا للتسلية والوداع:
عدا عن ذلك يوجد في الجيوش فرق الموسيقا العسكرية، كالتي تتواجد في الحدائق العامة أحياناً في بعض البلدان، وقد بلغ من أهمية هذه الفرق الموسيقية أن خصصت فرقة منها لكل وحدة عسكرية في جميع جيوش العالم.
وفي أثناء السلم تقوم هذه الفرق بعزف الموسيقا لتسلية الجنود أو في التدريب أو الاستعراضات، فتدخل النشاط والحماس في نفوس الجنود، كما تدخل البهجة والسرور على المدنيين أيضاً، أمّا أثناء الحرب فإنّ هذه الفرق ذاتها تودع الجنود إلى ميدان القتال، فتملأ نفوسهم حماساً، وتدفعهم لدخول المعركة بروح معنوية عالية.
العمارية والعطفة:
وعند العرب القدامى للشعر وقوله برتم لحني أو موسيقي وقع خاص في القتال، وهذه كانت مهمة الفتاة وكانت تُسمى “العمارية” وأيضاً “العطفة”، والعمارية فتاة تمتطي جمل من دون مواصفات، أما العطفة ينبغي أن تكون الفتاة ذات مواصفات مميزة وبكامل زينتها وشال يوضع على الرأس، ولها نسب رفيع المستوى في القبيلة، وتحفظ ألقاب فرسان قبيلتها، ومتمكنة من فن الحداء وإلقاء الشعر، والقصائد التي تشجع بها الفرسان في ميادين القتال، وحتى الجمل الذي تمتطيه يجب أن يكون مختلفاً في لونه وزينته.
موسيقا اللاعنف:
وفي القرن العشرين، زمن النهضة القومية للموسيقا، وفي الصراعات والحروب حينها، برزت مجدداً موسيقا “البوب” وارتبطت مع شعار”لا للحرب” في ألمانيا، ولازمت المظاهرات التي قامت ضد قرارات الحلف الأطلسي، وبرفقة عدد من الآلات الموسيقية لتكون المقاومة اللاعنفية ضد أشكال الحروب، ولاسيما الحرب العالمية.
سيمفونيات التحدي:
هنا لابدّ من ذكر السيمفونية السابعة الشهيرة للمؤلف السوفيتي”شوستاكوفيتش” التي عزفها في حصار “لينينغراد” أثناء الحرب العالمية الثانية، وأصبحت رمزاً للمقاومة وتحدٍ للحصار، يسمعها الناس وهم جياع وحفاة في وسط الدمار، واستعملت لرفع معنويات أهل المدينة المنكوبة، كما استخدمت العديد من السيمفونيات لذات الغرض عند الشعوب أثناء الحروب كالسيمفونية الخامسة لبيتهوفن، إضافة إلى ما كتبه من الجنائزيات هو وموتزارت وغيرهما التي لازمت عزفها مع النعوش وقتلى الحروب لتخفيف الأحزان.
ألحان لحرب تشرين:
وفي الحروب الحديثة، ولاسيما حرب تشرين التحريرية، غنّى الكثير من الفنانين لها، خلالها وبعدها، لعلّ أشهرها نشيد”سورية ياحبيبتي” الذي كتبه وألفه أثناء اشتعال الجبهات الموسيقي محمد سلمان وأداه بجانب كل من محمد جمال ونجاح سلام، ومن الأغاني المشهورة أيضاً التي تمّ أداؤها بهذه المناسبة هي”من قاسيون أطل يا وطني وأرى دمشق تعانق السحبَ”، كما غنّت سميرة توفيق”هاتوا أكاليل الغار” وأغنية “علوا بالعالي”، واصفة فيهما جيشنا السوري البطل.
وفي الجانب المصري غنى لحرب تشرين الوطنية كبار الموسيقيين أمثال أم كلثوم وعبدالحليم حافظ ومحمد عبد الوهاب وغيرهم.