لو دامت لغيرك ما وصلت لك.. هل التقاعد مرحلة خمول وانتظار للأمراض أم بداية لرحلة حياة جديدة؟
تشرين- دينا عبد:
التقاعد مرحلة واقعية في حياة كل موظف، حيث لا بدّ من أن يتقاعد الشخص يوماً ما بعد مرورسنوات خدمته ويترك العمل لأشخاص آخرين لتكتمل مسيرة الحياة، كالمثل القائل”لو دامت لغيرك لما وصلت إليك”.
حالات:
يصف ممدوح (موظف) الذي أُحيل منذ أشهرعدة إلى المعاش، أنّ التقاعد مرحلة طبيعية من الحياة، ويجب على كل موظف أن يكون مستعداً ليكون متقاعداً.
مضيفاً أنّ هناك مشكلة ربما لا تفسير لها حتى الآن، وهي أنّ هناك الكثير من الموظفين لازالوا يُفاجأون بموضوع التقاعد، متناسين أنّ موعد التقاعد معروف لمعظم الموظفين الحكوميين.
اختصاصية صحة نفسية: العلاج بالعمل يعيد الاحترام لذات المتقاعد وينعكس إيجاباً على النسق الأسري.
أما رضوان وبعد أن تقاعد من عمله شعر بأنه على الهامش، وأصبحت تظهر عليه أعراض التقاعد وهي اليأس والاكتئاب، يقول: غدت حياتي مملة لا فائدة من وجودي، احترام الآخرين قلّ عندما فقدت ميزات وظيفتي بعد التقاعد، الأيام تمضي متشابهة لم أعد أشعر بأهمية الوقت، اقتصرت حياتي على إيصال أحفادي إلى المدرسة وتسديد الفواتير وشراء مستلزمات البيت، أهملت نفسي كثيراً حتى أصابني مرض الضغط.
أمّا شهناز التي كانت تعمل ممرضة في إحدى المشافي الحكومية وتقاعدت منذ أشهرعدة، تصف الحياة بأنها مملة، قائلة: لم أعد أعمل فقد كان العمل يملأ وقتي كله؛ بالرغم من أنني حاولت العمل في مشافي خاصة، إلّا أنّ طلبي قوبل بالرفض فهم لا يقبلون إلّا الأعمار الصغيرة؛ لذلك وبحسب قولها: فإنّ المتقاعدين يفقدون أدوارهم أيضاً كأرباب أسر، ويفقدون رعايتهم لأبنائهم لأنهم أصبحوا يملكون قراراتهم ويديرون شؤونهم بعيداً عن الأب والأمّ.
مشاريع إنتاجية بعد التقاعد:
بعد إحالته إلى التقاعد قرر أبوعدنان أن يستثمر محلاً تجارياً ليسانده في ظل الظروف الاقتصادية من جهة، وليملأ وقت فراغه من جهة ثانية ويؤكد: إنّ التقاعد بالنسبة لي هو بداية الحياة، وأنا واحد من الأشخاص الذين لايطيقون الجلوس من دون عمل ؛ فقررت أن أفتح مشروعاً بتعويض نهاية الخدمة، وهكذا أكون قد ضربت عصفورين بحجر واحد، فمن جهة حققت دخلاً مادياً ومن جهة أخرى ملأت وقت فراغي”.
أمّا إبراهيم الذي كان يعمل مدرساً للغة العربية فقد قرر أن يبقى على حاله أستاذ، ولكن ليس في المدرسة إنّما قرر العمل في معهد خاص، فبحسب قوله لا يستطيع أن يتقاعد عن مهنة أحبها وأحبته وزرعت فيه القيم والأخلاق، ويعتبر إبراهيم أنّ كل من يستطيع العمل يجب ألّا يتقاعد.
التخطيط للمرحلة:
بدورها اختصاصية الصحة النفسية د.غنى نجاتي ترى أنّ الفراغ المفاجئ الذي ينتج عن التوقف عن العمل، وعدم وجود بديل مخطط له يجعل المرء يتخبط في ملء فراغه، أو يشعر بالملل والكآبة، لذلك فإنّ معرفة موعد التقاعد أمر ضروري، فبإمكان الشخص التخطيط لمرحلة التقاعد قبلها بفترة جيدة مشركاً في ذلك أفراد أسرته والأشخاص المهمين في حياته، متخذاً في ذلك تخطيطه المالي وإمكاناته المادية.
مضيفة: الإنسان يحس بقيمته من خلال العطاء والإنتاج الذي كان ينتجه؛ فإحساسه بأنّ هناك روتين معين يمارسه كل يوم يجعله يحسّ بالراحة، وهنا بعد مضي ثلاثين عاماً يجد الشخص نفسه قد تقاعد من عمله وصار مكانه المنزل؛ هذا التغييرغير مرحب فيه لدى كثير من الأشخاص الذين وصلوا إلى سن التقاعد؛ هذا يسبب لديهم تغيير في المزاج واضطرابات نفسية منها: القلق والاكتئاب والخوف من فقدان الأهمية الذاتية؛ والإحساس عند بعض كبار السن بالعدوانية كرد فعل بأنّ سلطتهم لم تعد موجودة حتى لوكان عملهم بسيط ؛ فالإنسان قبل التقاعد يستمد قوته من الموقع الوظيفي له لأنه يحس بذاته وثقته بنفسه عن طريق قيمته بالمجتمع؛ فكلمة متقاعد تحمل معها كمية من الطاقة السلبية التي يرفضها الأشخاص؛ والكثيرون يتمنون أن يكون التقاعد اختياري لأنهم لا يحبون الجلوس من دون عمل، وعلى سبيل المثال هناك أساتذة جامعيين يحالون إلى التقاعد من الجامعات الحكومية، فيذهبون للتدريس في الجامعات الخاصة وهذه حالات موجودة وبكثرة.
حلول:
وبحسب د. نجاتي فإنّ هناك الكثير من المتقاعدين يراجعون العيادات لايأكلون ولا ينامون لديهم اضطراب في المزاج، والسبب إحالتهم إلى التقاعد وخروجهم من الدائرة الاجتماعية التي كانوا ينتمون إليها.
وعن الحلول أوضحت نجاتي، يجب التشجيع على ممارسة أعمال فيها عطاء ولو كانت براتب زهيد مثلاً تدريس محو الأمية في مؤسسة خيرية؛ الإشراف على بعض العمال، وهو نوع من العلاج يُطلق عليه ( العلاج بالعمل) فيشعر المتقاعد بأنّ تقديره لذاته قد عاد وينعكس إيجاباً على النسق الأسري، لأنه يشعر بالأمان النفسي والاستقرار الانفعالي.