“حلم مؤجل” للأديبة فايزة داؤود وصراع الأرياف مع المدينة.. في جمعية بانياس الثقافية

تشرين- ثناء عليان:

رواية “حلم مؤجل” للأديبة فايزة داؤود التي حلت ضيفة على المركز الثقافي في بانياس بدعوة من جمعية بانياس الثقافية لمناقشة روايتها، بحضور مجموعة من المثقفين والأدباء والمهتمين بالشأن الثقافي الذين تناولوا مختلف نقاط الإبداع فيها.

هذه الرواية هي السادسة للأديبة بعد: “طريق العودة، العرمط، رجل لكل الأزمنة، جنة عدم، ريح شرقية”، كما للأديبة داؤود مجموعات قصصية وهي: “رجل الرغبة الأخيرة، ثم اعترفت، الساعة السادسة إلا نصف، المقنع، وذاكرة البياض”.. إضافة لدراسات أدبية ونقدية متنوعة.

تتناول رواية “حلم مؤجل” حسب الكاتبة فايزة داؤود صراعاً بين ترييف المدن وتمدن الريف.. مؤكدة أن أي مجتمع إنساني عندما يصاب بعطب ما، فالمرأة هي من تدفع الثمن لأنها الحلقة الأضعف.

روايتي –تضيف داؤود- كان لها جذر واقعي مزجته مع الخيال لأحوله إلى أدب حقيقي، فالرواية فيها الكثير من الحقائق والأحداث ولم تكن محض خيال، وبرأيها الرواية ليست حكاية وإنما بحث بالإنسانية والحياة والأفكار والديانات، بحث في كل شيء، ولا يوجد محرم في الرواية.

ولكي تكون الرواية حقيقة يجب أن تكون شاملة -حسب داؤود- فالقصة برأيها فن اللقطة أما الرواية فهي العالم، وهي فن عطب الوجود، والشخصيات المشوهة هي من تصنع الرواية.

فيلم سينمائي

الشاعر علي سعادة أكد في قراءة له أن رواية “حلم مؤجل” هي فيلم سينمائي طويل غاص في أعماق الماضي القريب يؤرخ بصدق وجرأة ووضوح ما جرى ويجري في منطقة معروفة ومكشوفةـ وتلك برأيه إحدى مهمات الأدب تعرية الأسود السيئ أملاً بالأخضر الحَسَن.. متسائلاً كيف يشفى المريض إذا لم يشخص المرض ومتى كان الهروب والمواربة حلاً.

ولفت سعادة إلى أن الصراع بين العلم والجهل.. والفساد الناخر عظام معظم البشر، وأحوال السياسة البائسة وأحياء بانياس القديمة والسرايا والأسواق والاغتصاب كل هذا نجده في الرواية، ولكن لا يمكن الحديث عنها في عجالة، منوهاً بأن اللغة في الرواية كانت جميلة ورشيقة تناغمت مع بيئة الرواية.

سردية ممتعة

تمتلك الكاتبة فايزة داؤود، من الشجاعة الكافية لتقول كلمتها الحرة، في روايتها “حلم مؤجل” – حسب الشاعرة سميا صالح- حيث تجمّلت بزينتها وحيلها السردية الممتعة، وانطلقت بعربتها الروائية دون توقف وما من نكوص في هذا المجال سوى النظر الى الأمام، فهي هنا تعمل وفقاً لما قاله جان كوكتو(ما يلومك الناس عليه اعمل على تنميته)، علاوة على ذلك أن الصناعة الروائية بكونها إبداعاً فنياً شاقاً، تتطلب معرفة في الثقافة والصورة وكيفية التنقل بين شخوص الرواية ووصف للطبيعة وللأمكنة ذات الصلة بالسرد الحقيقي أو الفنتازي وتحتاج أيضاً إلى موهبة خالصة، نقية تتجه صوب هذا العمل الشاق بمستواه التقني وجمالية السرد الشيق والقابل للهضم من قبل القارئ والناقد، وهذا ما وجدناه واضحاً جلياً في رواية (حلم مؤجل) لفايزة داؤود .

روح تواقة للمعرفة

ولفتت صالح إلى أن السرد الروائي يبهج الروح التواقة للمعرفة التأريخية بكل زمكانيتها (زمان ومكان) فبعض الأمكنة لا زالت تصدح في وجودها وجمالياتها مثل جزيرة أرواد في طرطوس، مؤكدة أن الكاتبة لها القدرة الفنية في أن تجعل من أصابعها ساقية تجري ولن تتوقف حتى تصبح نهراً يمر عبر الأراضي فيشق التاريخ بمعالمه وشخوصه وأفراحه وأحزانه، كما حزننا على الشخوص الذين ماتوا في الرواية موتاً قسرياً ناجماً من قهر المجتمع ومنهم الفلاح (عابد) الذي قتل على يد (عبد الجبار الزلمي) بدم بارد، ثم موت زوجته بعد أن جعلوها حاضنة لإنجاب طفل بالحرام لإرضاء غرور امرأة ارستقراطية.

شال الحبكة

وترى الأديبة سهام رقية أن الكاتبة تمسد ببلسم كلماتها التي فاحت أحرفها وجع الآمال المنتظرة، إذ تنطق باسم الإنسان المباحة إنسانيته وسط غابة الحياة، فالقوة والنفوذ يتحكمان عبر العصور بصيرورته، وهذا ما اشتغلت عليه الكاتبة بحلم مؤجل، فقد استطاعت بلورة هذا المنطق عبر قصة أبطال حائرون كحليم وعابد وغيرهما..

ولفتت إلى أن الحلم رغم بساطة إطاره “شراء دكان” بدا الكون كله يقف حائلاً أمامه حتى عندما أوجدت الكاتبة حلاً، وصاغت شال الحبكة جيداً أمام القارئ، لتجعل للبطل طرقاً تبرر له هذا الحلم مع أنها ملتوية، فشراء دكان له يكلفه دية دم صديقه المغدور، وهذا الأخير غدر به لأنه عبّر عن ذاته، وهنا حظيت الكاتبة بجائزة الوصف التحليلي المتصاعد للأمكنة والخيالات دون ارتياد مزلاج الانزياحات التي قللت الكاتبة من ورودها، وجعلت الرواية

تنبض بقصص الواقع والأماني المفترضة دون براهين تحققها.

زمن متخبط

فجرسها –تضيف رقية- تدلى فوق كنيسة بنيت من طين المعيشة وكل الرواية جاء سياقها صدى لهذه الرنات التي دوت في أرجاء السرد، وباعتقادي وفقت الأديبة باختيار الشخصيات والأمكنة، فشعرت وأنا أقرأ بأنني أسير مع روادها وأحس بأشواك وروائح أمكنتها، ووجدت أيضاُ أن سرد الرواية منفلت عبر زمن متخبط يصلح لكل زمان ولأي مكان، لأن المؤلفة وطنت الحدث البسيط بهيكلية رغم هفوات التكرار ببعض الصفحات ورغم هفوات الهمزات بين وصل وقطع، ومع ذلك ظهرت الفكرة وتراكمت الأحداث في سياق الدفع السردي المطور لها.

كنت والكلام “لسهام رقية” أشعر تارة بنجاح هذا السرد وتارة أخرى كان يوقعني في خندق الانتظار لتأتي نهاية الرواية وترمي الكاتبة بحبل الإقناع، فتجعلها مفتوحة تتداخل في سيمائيتها وقائع وأموال ونفوذ، لتقول لنا كل الأحلام مؤجلة أيها الإنسان.

محكومون بحلم لم يتحقق

وقدمت الشاعرة نعمى سليمان قراءة أكدت فيها أن الأديبة فايزة داؤود روائية تجيد غزل الكلمات بطريقة مشوقة، وهي فائزة بحضورها ونتاجها وحبها للحياة، تكتب الوجع بصدق وعفوية مفرطة، حيث تأخذ القارئ لساحات القرى وأزقة الأحياء وسوق الهال ليسمع أصواتاً ممزوجة بالقهر والأسى، ومن يلتقيها يعرف أن هناك سيدة حققت ما تريد وتركت الحلم المؤجل لحين قراءة.

وعن الرواية قالت الشاعرة سليمان، حلم مؤجل رواية من عنوانها نعرف بأننا محكومون بحلم لم يتحقق وننتظر وربما لا نزال ننتظر أن يتحقق فوضعناه في علية التأجيل، نحن في بلدان ما اعتدنا تحقيق الأحلام، وجعلناها مشرعة، والشخصيات مفتوحة الأحلام، وكلها تصب في نهر واحد إذ أرادت فايزة أن تجمع التاريخ مع السياسة مع الواقع والخيالي في مدينة صغيرة.

اسم من ذهب

وبيّنت سليمان أن الفقر رسم معالم الأبطال ولا سبيل حتى للحلم ولا سبيل حتى لتحقيقه وحتى عندما يرضخ الإنسان لقوة الحلم، يموت دون أن يحققه، وترى سليمان أن الأديبة فايزة داؤود اسم من ذهب كتب وأعطى الكلمة مداها، فهي الواثقة القوية التي لا تهاب قول كلمة، انطلقت من بيئة ريفية فلاحية مظلومة وما زال الظالم يجلدها.

وختمت سليمان مشيرة إلى أن لغة الرواية جاءت سهلة واضحة من الحياة اليومية، كما أن للكاتبة أسلوباً مختلفاً في السرد، إذ يطغى الواقعي في وصف الأحداث، مع تأكيد تاريخي على أن المرأة كانت ولا تزال تتحمل كل أنواع العذاب والقهر، وترجم كل يوم.

مفردات بنكهة الفاكهة

بدورها قالت الأديبة منيرة أحمد مديرة موقع “نفحات القلم” بدأت الكاتبة روايتها بمفردات ناعمة بنكهة الفاكهة، تحسستها حليماتنا الذوقية، نعومة سرت فينا لملمس خضراوات وفاكهة الفلاحين المجبولة بعرقهم وحبهم، وأكدت أن مسارات الرواية موجعة رغم انبلاج فجر بفرع شجرة تريد الضوء، هي حكايات وواقع مرير روته الدموع واكتوت به الأكباد، متسائلة لماذا هذه الرواية الآن؟ وما الذي أيقظ عند الكاتبة كل هذا الوجع؟ وهل في جعبتها مثيلات بخواتيم تبرعم أملاً وتقتلع روح الحلم المؤجل من جذوره؟.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
إصابة مدنيين اثنين جراء عدوان إسرائيلي استهدف منطقة القصير بريف حمص (وثيقة وطن) تكرم الفائزين بجوائز مسابقة "هذه حكايتي" لعام 2024..  د. شعبان: هدفنا الوصول لحكايا الناس وأرشفة القصص بذاكرة تحمل وطناً بأكمله معلا يتفقد أعمال تنفيذ ملعب البانوراما في درعا ويقترح تأجيل الافتتاح بسبب تأثر المواد اللاصقة بالأمطار الوزير الخطيب: القانون رقم 30 يهدف إلى حماية بنية الاتصالات من التعديات الوزير صباغ: إمعان الاحتلال في جرائمه ضد الشعب الفلسطيني يعبر عن سياسات إرهابية متجذرة لديه سورية تترأس اجتماع الدورة السادسة للمجلس العربي للسكان والتنمية في القاهرة الجلالي يبحث مع أعضاء المجلس الأعلى للرقابة المالية صعوبات العمل ووضع حد لأي تجاوزات قد تحدث طلاب المعهد الصناعي الأول بدمشق يركّبون منظومة الطاقة الشمسية لمديرية التعليم المهني والتقني أجواء الحسكة.. عجاج فأمطار الأضرار طفيفة والمؤسسات الصحية بجهوزية تامة لمعالجة تداعيات العجاج انطلاق فعاليات أيام الثقافة السورية في حلب بمعرض للكتاب يضم ألف عنوان