“في غلطة بهالحياة”.. سلامة الأغواني موسيقيٌّ غَاب معه المونولوج الناقد

تشرين – لبنى شاكر: 

لا يوجد رقمٌ مُؤكّد لعدد المونولوجات التي قدمها سلامة الأغواني1907 -1982، عدا عن حوالي مئة أوردها الباحث الموسيقي أحمد بوبس في كتابه الصادر عنه عام 2005 بعنوان “رائد المونولوج الناقد”، وإن كان أشهرها دون شك الذي أدّاه الراحل ضمن برنامج “آدم وحواء” الإذاعي، وبعد ذلك عبر شاشة التلفزيون السوري، وفيه يقول: “في غلطة بهالحياة، وطعنة بحق الستات، ليش الست بنص عقل، وعقل الكامل للخواجات، فتّش بالمستشفيات وفتّش بالعصفوريات، وفتّش ع لواح القبور، وشوف ضحايا هالستات”، وفي رصيده أيضاً مجموعة مونولوجات ضاحكة وساخرة انتقد فيها ظواهر وعادات مجتمعية، لم يجرؤ غيره من الفنانين على الاقتراب منها، وقبل هذا كله كان تقديمه المونولوج السياسي، بمباشرةٍ ووضوحٍ جعلا منه ندّاً للاحتلال، حتى وصفه بوبس “مناضل الكلمة واللحن والمُصلح الاجتماعي”، ومع الأسف اليوم لا نرى حضوراً لهذا الشكل من النقد، والسبب يعود إلى أن المونولوج يحتاج مُطرباً ومُمثلاً في الوقت نفسه، بمعنى يجب أن يتمتع المُؤدي بخامة صوتٍ جميلة وأداءٍ عفويٍّ صادق، وهو ما لا يتوفر بالشكل المطلوب مع القدرة على التقاط التفاصيل والنقد من دون تجريحٍ أو إساءة.

نشأ الأغواني في حارة شعبية في القيمرية، وتأثّر في طفولته بوالده الذي امتلك مستوى ثقافياً جيداً ومكتبة ضخمة، وسرعان ما تفوّق على أقرانه، فاخترع كما يقول بوبس سينما على الفحم الحجري، حيث كان الفحم يتوهج خلف شاشة من القماش الأبيض، يعرض أمامها صوراً مُتتالية ومُتلاصقة، كما ظهرت عنده هواية الوزن اللفظي فكان يتلاعب بالألفاظ المتداولة في بيته، لكن ما لا يعرفه البعض أن لكنية الأغواني حكاية، استُخدِمت بموجبها عوضاً عن الاسم الحقيقي “المصري”، يشرح بوبس: “كان الاستعمار التركي يقود الشباب العرب إلى الحرب العالمية الأولى السفربرلك ، لذلك اخترعتْ عائلته اسماً يُوحي بأن أصله من أفغانستان، حتى لا يُساق إلى الجندية، عدا عن أن سلامة الأغواني جاء بعد سبع بنات لأبويه، لم تعش منهن إلا واحدة”.

كتب الأغواني وهو دون العاشرة عن دوريات الجنود الأتراك الباحثة عن الهاربين من التجنيد، ووصف زَجلاً المشانق المعلقة في شوارع دمشق، وفي السادسة عشرة من عمره كتب أزجالاً وطنية مُعادية للمُستعمر الفرنسي، وفي مرحلةٍ لاحقة توجّه نحو المونولوج المُغنى، وأصدر مجلة “الكرباج” لنشر الأزجال، لكنها أُوقفت بسبب ملاحقة سلطات المحتل، يُضيف بوبس: “أول ما غنى في فن المونولوج، مونولوجين ظهرا معاً على وجهي أسطوانة واحدة “نحنا الشوفيرية” و”اسمعوا يا أهلية” عام 1927، لحنهما صبحي سعيد، والمُلاحظ فيهما أن الموسيقا بسيطة ذات تركيبٍ لحنيٍّ محدود، لأن الأهمية للكلمات، وليس للموسيقا سوى دورٍ تمهيدي، دون أية غايةٍ طربية”.

اعتُقل الزجّال عدة مرات، حتى إنه في إحدى زجلياته يصف زيارته لسجن المزة، ومن أبرز ما كتبه ضد الفرنسيين “البيت بيتنا، والأرض لأبونا، وبأي عين، جايين تنهبونا”، وفي مونولوج آخر “لعند هون وبس، شبعتونا رص، شافنا الدكتور وقال، منضاين يومين وبس”، ولأن مونولوجاته تحولت إلى شعاراتٍ لهتافات المتظاهرين ضد الاحتلال، صَدر قرارٌ بنفيه إلى بلده المزعوم أفغانستان، ولم يعد إلا بعد تسعة أشهر، بوساطةٍ من أول رئيس للجمهورية محمد علي بك العابد عام 1932 على ألا يتكلم بالسياسة، وهو ما لم يستطع الالتزام به بالطبع.

ومما كتبه بمناسبة معاهدة 1936 التي تعترف فيها فرنسا باستقلال سورية “أهلاً برجال سورية، أهلاً بوفد الحرية، مرحى مرحى بالنواب، وبالزعما وكل الشباب، وتحيا الكتلة الوطنية”، لكن مع تراجع الفرنسيين عن المعاهدة كتب “أنتو جماعة منظومين، ونحنا منكم ممنونين، أجيتوا حتى تساعدونا، لما تزيدوا البلة طين”، وتحت عنوان “كمل النقل بالزعرور”، سخر من البرلمان الصوري: “كمل النقل بالزعرور، فرحنا وصار عنا دستور، يوم صرنا وتصورنا، برنيطة ومرسي وبنجور”.

اجتماعياً، انتقد الأغواني غلاء الأسعار وجشع التجار “يا ناس مين متلي محتار، نص عقلي من البشر طار، كرمال الله تفهموني، الحق على مين دلوني، حتى أكتشف هاالأسرار، وشو سبب غلا الأسعار”، وتوقف عند غلاء المهور “اعمل معروف انتبه وشوف” و”دبرونا يا أهل الدين”، وعن الثراء الفاحش والأموال المهدورة كتب “يا سوري حاجة تبذير”، واستفاد في هذا السياق، كما يُشير بوبس من عدة مهن مارسها في حياته، منها عمله سائق شاحنة على خط “دمشق- بغداد”، وعمله موظفاً في دائرة المواصلات، ومن ثم افتتح استديو لتسجيل الأغاني، وبعد قيام الحركة التصحيحية أصبح عضواً في مجلس الشعب، أما فنيّاً فكانت له حفلات في العراق ومصر، وفي دمشق كانت له فرقة موسيقية خاصة، كما شكّل لفترة وجيزة ثنائياً مع الفنان عبد الغني الشيخ.

قد يعجبك ايضا
آخر الأخبار
إصابة مدنيين اثنين جراء عدوان إسرائيلي استهدف منطقة القصير بريف حمص (وثيقة وطن) تكرم الفائزين بجوائز مسابقة "هذه حكايتي" لعام 2024..  د. شعبان: هدفنا الوصول لحكايا الناس وأرشفة القصص بذاكرة تحمل وطناً بأكمله معلا يتفقد أعمال تنفيذ ملعب البانوراما في درعا ويقترح تأجيل الافتتاح بسبب تأثر المواد اللاصقة بالأمطار الوزير الخطيب: القانون رقم 30 يهدف إلى حماية بنية الاتصالات من التعديات الوزير صباغ: إمعان الاحتلال في جرائمه ضد الشعب الفلسطيني يعبر عن سياسات إرهابية متجذرة لديه سورية تترأس اجتماع الدورة السادسة للمجلس العربي للسكان والتنمية في القاهرة الجلالي يبحث مع أعضاء المجلس الأعلى للرقابة المالية صعوبات العمل ووضع حد لأي تجاوزات قد تحدث طلاب المعهد الصناعي الأول بدمشق يركّبون منظومة الطاقة الشمسية لمديرية التعليم المهني والتقني أجواء الحسكة.. عجاج فأمطار الأضرار طفيفة والمؤسسات الصحية بجهوزية تامة لمعالجة تداعيات العجاج انطلاق فعاليات أيام الثقافة السورية في حلب بمعرض للكتاب يضم ألف عنوان