الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون..التفكك الأسري يحفر عميقاً في نفسية الطفل
تشرين – دينا عبد:
تتكرر دائماً المشكلات بين والدي سالي لأتفه الأسباب، تقول الفتاة ذات ال١٥ ربيعاً: فقدت تركيزي الدراسي من جراء الخلافات التي تحصل يومياً بين أبي وأمي؛ هذا ما جعلني أذهب للدراسة في بيت جدي؛ وتشرح: والداي يتشاجران لأتفه الأسباب ونادراً مايمر يوم لا تعلو فيه الأصوات لدرجة أن الجيران يطرقون أبوابنا ليسألوا ماذا يجري؟
أما يوسف الطالب في الصف الثامن فحالته مختلفة تماماً والدته تتعرض للضرب من والده أمام مرأى أعين إخوته ولكنهم لايستطيعون أن يفعلوا شيئاً.
يقول يوسف بكل حزن: والدي يضرب والدتي لأنها ترفض أن تعطيه الأموال التي تحصل عليها من عملها؛ فوالدي عاطل عن العمل ومطلوب من والدتي أن تصرف على المنزل وعلى إخوتي، والمشكلة أن الجو المشحون في المنزل يمنعنا من الدراسة والتركيز.
آثار سلبية
الأخصائية في الإرشاد التربوي والنفسي د.سندس بغداد أوضحت في تصريح ل تشرين أن الأسرة أول خلية في المجتمع وهي أول جماعة ينتمي إليها الطفل ويتعلم من خلالها كيف يتعامل مع الآخرين؛ فالأسرة هي المسؤولة عن توفير الاستقرار النفسي والاجتماعي للأبناء ما يؤثر تأثيراً بالغاً على كامل نواحي حياة الفرد وعلى تكوين شخصيته وخاصة الجانب التعليمي وتحصيله الدراسي وعلاقته مع الأقران بشكل خاص والمجتمع بشكل عام فهي حجر الأساس في بناء شخصية الأفراد، وبحسب بغداد فإن علماء النفس يؤكدون أن العلاقة بين الوالدين تنعكس سلباً أو إيجاباً ؛ فقد أكدت أغلب الدراسات النفسية والتربوية أن العلاقة بين الأب والأم خاصة وبين أفراد الأسرة عامة تؤثر على التحصيل الدراسي للأبناء بشكل أو بآخر فتعكر الأجواء الأسرية التي يسودها التشنج والتوتر الذي غالباً ما يؤدي إلى التفكك الأسري،
والذي يؤثر تأثيراً عميقاً في نفسية الطفل الذي قد يتأخر دراسياً جراء معاناته من القلق الشديد والتوتر ونقص الدافع، وهنا يجب تسليط الضوء على أهمية المرحلة العمرية ومدى تأثير الخلافات العائلية على المستوى العلمي والتواصل الاجتماعي لدى الطفل، فكلما كان العمر أصغر وكانت المرحلة الدراسية مبكرة كان التأثير السلبي أكثر، فالخلافات العائلية تقتل لدى الأبناء الدافع والثقة بالنفس وتؤثر بشكل خطير على التوازن النفسي للطفل وهذا بدوره يؤثر سلباً على أدائه العلمي وتعامله مع الآخرين وقد تظهر أيضاً بعض الأعراض ( النفس جسمية) والتي كثيراً ما نلاحظها في المدارس مثل قضم الأظافر – التبول اللاإرادي – التأتأة وغيرها من الأعراض ( النفس جسمية).
د. بغداد: أغلب المقصرين دراسياً وغير المتكيفين نفسياً واجتماعياً ينحدرون من أسر تسودها الخلافات العائلية
وكشفت بغداد أنه ومن خلال الواقع الذي نعيشه في مدارسنا وجدنا أن أغلب المقصرين دراسياً وغير المتكيفين نفسياً واجتماعياً ينحدرون من أسر تسودها الخلافات العائلية أو أسر تعاني من الانفصال أو التفكك الأسري ؛ علما أن هناك حالات تقصير دراسي وعدم توافق نفسي واجتماعي لدى أطفال ينحدرون من أسر متماسكة ومستقرة ولكن هذا قد يكون نادراً نوعاً ما.
تواصل
من خلال التواصل مع المعلمات والمعلمين تبين أن الأطفال الذين يعيشون في أسرة تسودها خلافات عائلية غالباً ما يعانون من الشرود الذهني داخل الحصص الدرسية كما يعانون من التشتت وضعف التركيز لكونهم دائمي التفكير بما يحدث وبما قد حدث في المنزل وهذا بدوره يؤدي إلى ضعف التحصيل الدراسي.
الناحية الاجتماعية
من الناحيه الاجتماعيه والسلوكية توضح د. بغداد أن هؤلاء الأطفال يعانون من عدوانية أحياناً وفوضى – عنف- وقد يعانون من عدم ثقة بالنفس – وضعف شخصية ؛ فيقومون بتعويض هذا النقص بالعنف وبالانطواء وقد يؤدي إلى أكثر من ذلك سرقة – تخريب للتنفيس عن الغضب الذي تولده لديهم حالة عدم الاستقرار الأسري وخاصة بين الأبوين ؛ هذا الاستقرار الأسري الناشئ عن الخلافات بين الأبوين يؤثر سلباً على نفسية وتحصيل الطفل ؛ ولابد هنا من التنويه إلى مراعاة الفروق الفردية والفروق الجنسية من ذكور وإناث والمرحلة العمرية للأبناء .. صغار- مراهقين – بالغين- كبار- هذا الأمر يؤدي إلى نتائج متباينة بين فرد وآخر بين أنثى وذكر بين كبير وصغير كل هذه الفروق الفردية تؤثر بأنها لاتعطي نفس النتائج على كل الأبناء .
دور المرشد التربوي
وبحسب الدكتورة بغداد فان المرشد التربوي الناجح قد يلعب دوراً كبيراً ومهماً في معالجة الآثار السلبية لهذه المشكلة و في مساعدة الطالب على إعادة البعض من التوازن النفسي والسلوكي لشخصيته بالتعاون مع المرشد ويمكن أن يتجاوز لحد ما هذه الحالة من ضعف التحصيل والتقصير الدراسي ؛ ولكن المهم هنا مدى قدرة هذا المرشد على الوصول إلى داخل الطالب ومساعدته للتعبير عن انفعالاته وحقيقة مشكلته كون هذا النوع من المشكلات محرج لأغلب الأبناء.
لذلك يجب على المرشد أن يؤسس مع المسترشد( الطفل) علاقة مبنية على الأمن والأمان والثقة ليستطيع الوصول إلى درجة الصراحة والحديث براحة عن هذه المشكلة وبعدها مد يد العون له بشكل أبوي ليتجاوز آثار هذا النوع من المشكلات الذي يؤثر على أبنائنا كما يجب ( إن أمكن ذلك) التواصل من قبل المرشد في المدرسة مع الأهل
( الأب – الأم) الأبوين معاً وعقد جلسات إرشاد فردية مع المسترشد ( الطفل) مع كل واحد على حدة حسب ما تقتضيه الحالة لوضع خطة مع الأبوين والطفل لإصلاح ماتم تدميره في شخصية الأبناء والعبور بهم إلى بر الأمان والسلام مع أنفسهم والآخرين ومع أسرتهم.
وأخيراً: الإنجاب حاجة وغريزة موجودة لدى كل الكائنات وليس بطولة إنما البطولة أن تكون ناجحاً في هذه المهمة ؛ مهمة التربية والإعداد السليم لجيل خالٍ من الأمراض والاضطرابات النفسية والسلوكية وما أكثر هذه الاضطرابات خاصه هذه الأيام التي كثرت فيها الأيادي التي تشاركنا في تربية أبنائنا من إنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي إلى الأقران والشارع….